قال لـ «الشرق الأوسط» إن الساحة الفنية تعاني من تراجع بسبب غلبة الأهداف التجارية
قال الشاعر الكويتي عبد اللطيف البناي، إن القفزة الكبيرة التي تعيشها السعودية في المجالات كافة، وقد أضحت وجهة مهمة للكثير من النخب، ستتضح ثمرتها مستقبلاً، وإن حصاد هذه الخطوات سيؤثر على كامل المنطقة العربية. وأشار البناي في حوار مع «الشرق الأوسط» إلى التراجع الذي تعانيه الساحة الفنية العربية، بسبب غياب دور ثلاثي صناعة الأغنية الجيدة؛ وهم الملحن والمطرب والشاعر، لصالح الأغراض المادية والشروط التجارية التي تفرضها شركات الإنتاج.
وعبّر عن شعوره بالحزن لتراجع الكويت ثقافياً، بعد أن كانت منارة فنية، وأن ذلك اختفى بسبب تواضع الاهتمام والدعم.
عبد اللطيف البناي، شاعر غنائي كويتي، ساهم مع جيله من الفنانين في تطوير الأغنية الكويتية ونقلها إلى محيطها العربي، ولا تزال الكثير من أعماله الشعرية التي غنّاها مطربون من الخليج، حيّة بين الناس. وإلى نص الحوار:
> كيف تحتفظ الأغنية بوهجها رغم تقدم السنوات، هل السر في الكلمات أم اللحن أم الفنان؟
- الأغنية كانت سابقاً أجمل، وأقوى في معانيها وصيغتها، وسردها القصصي الجميل، لكنها الآن فقدت هويتها، بسبب كثرة زحام الأصوات غير الجيدة، والضحية هو المتلقي.
كانت الأغنية سابقاً تُجاز من قِبل لجان متخصصة، ولم يكن التسجيل متيسراً كما هو الآن، وبعد أن انخفضت التكاليف وصار من السهل على كل أحد، أياً كانت مؤهلاته أن يسجل أي أغنية ويبثها للجمهور بكل بساطة، فقدت الأغنية شروط جودتها وقوتها.
الأغنية سابقاً كان لها رونق وجمال وصدق في الكلمة، بخلاف ما عليه الحال الآن، بسبب الأغراض التجارية، التي أفقدت الأغنية الإحساس الصادق والمعنى العميق، رغم وجود بعض النماذج المميزة التي احتفظت بطابع وشروط الأغنية الحقيقية.
كما ساهمت المحطات الفضائية التي تهتم بملء ساعات البث بأي محتوى ومضمون كان، ودخول الآلات غير العربية في البناء الموسيقي، في ضعف الأغنية الخليجية وتشويهها.
كانت الأغنية في السابق صناعة متكاملة بين المطرب والملحن والكاتب، والكلمات هي عمود الأغنية، لكن الآن وبسبب التسرع فقدنا هذه العملية البطيئة لصناعة الأغنية الحقيقية.
> هل يواجه «الشعر الغنائي» تحديات معينة، بما يضعف لغته وغزارته وحيويته للبقاء طويلاً بين الأجيال؟
- بطبيعة الحال، يواجه الشعر الغنائي تحديات متعددة، مثل الشروط التي يفرضها المنتج، والموضوعات التي يفضّلها، لتلبية رغبات الجمهور، والخلل الذي قد ينشأ عن أسبقية اللحن على الكلمات.
> كيف تقيّم الساحة الفنية الخليجية والعربية الآن؟
- أصبحت الأغنية تعتمد على «الفيديو كليب» وما ينطوي عليه من إبهار الصورة والإثارة في الفيديو، مع اهتمام أقل بجودة الأغنية ذاتها في لحنها وكلماتها وأدائها، وهذا لا ينفي وجود بعض النماذج المميزة للأغاني، لكنها قليلة، ويزاحمها الكم الهائل من المطربين والأصوات النشاز التي ملأت الساحة الفنية وأضعفت الأغنية العربية، حتى اللجان التي كانت تدير المشهد الفني وتحكّم ظهور المطربين الحقيقيين، ضعفت وتراجعت وتنحرها «الواسطة» في معاييرها، وفي تنجيم بعض الفنانين دون غيرهم، وفرض ذلك على المتلقي.
> لم نعد نسمع الأغنية ذات الإيقاع البطيء، بل أغنية سريعة وعمرها قصير، هل يعود الأمر إلى عجز شعري أم مجرد انعكاس للذائقة العامة؟
- ليس عجزاً في الشعر، لكن إيقاع الزمن أصبح سريعاً الآن، والناس لم تعد تتقبل أن تسمع المقطوعات الطويلة، بالإضافة إلى الطبيعة المتسارعة للتقنيات والمنصات الجديدة التي ارتبط بها الجمهور. لكن الكتّاب الجيدين موجودون بطبيعة الحال، في السعودية من أمثال الأمير خالد الفيصل، والأمير بدر بن عبد المحسن، ومجموعة كبيرة وجميلة من الشعراء، بعضهم وجوه شابة ومميزة، لكن المستمع الجديد يبحث عن الأغنية السريعة، لكن المشكلة تكمن في أن تفقد الأغنية العربية هويتها ورونقها.
> هل تؤثر شركات الإنتاج بشروطها المادية البحتة، في قيمة المنتج الغنائي وتأثيره؟
- كانت شركات الإنتاج لها دور كبير في السابق، لكن الآن تراجع دورها، سابقاً كانت تتنافس على الساحة الفنية باستقطاب أفضل الأصوات، وكانت الخيارات الجيدة لكل شركة تنعكس على أرباحها، الآن تراجع هذا، بسبب الشركات الضخمة ذات التمويل الكبير، التي استحوذت على السوق واحتكرتها بشكل كامل؛ ومع ذلك لها فضل بطبيعة الحال في الحفاظ على بعض الأصوات الجميلة، ودعمها وتمويل إنتاجاتها مثل محمد عبده، وعبد الله الرويشد، ونبيل شعيل، ونوال، ورابح صقر، وغيرهم.
ولا شك كان لشركات الإنتاج تأثير كبير في العملية الإنتاجية، بحرصها على الربح، وفرض شروط تؤثر في المنتج النهائي، مثل مدة الأغنية وعدد الأغاني والآلات المستعملة، ويفرض ذلك على الشاعر أن يرتجل في طول القصيدة أو قصرها لتحقيق الملاءمة مع شروط الإنتاج.
> لماذا تكثر برامج اكتشاف الأصوات الغنائية، بينما يتراجع ظهور التجارب الغنائية النوعية التي تؤثر في الحالة الفنية؟
- تستقطب القنوات الفضائية أسماء معينة في لجانها الفنية لاكتشاف الأصوات الغنائية، وتفرضها على المشاهد، لكن أغلب لجان اكتشاف الأصوات تحتاج إلى من يكتشفها، وأنا لا أعترف بمطرب ينجح بتصويت عبر الهاتف أو ضغطة زر، وهذا أمر لا يبشّر بخير، والمفروض أن تكون هناك لجنة موسيقية محترفة ومهنية في اختصاصات مختلفة، تراعي الشروط الحقيقية لصناعة النجم، مثل الاهتمام بمخارج الحروف ونبرة الصوت وجماله وقوته، لكن الساحة الآن مليئة بالفقاعات، في المقابل هناك جمهور ملول، وهذا مما يؤسف له.
> كانت الكويت في لحظة ما سابقة منارة فنية وثقافية، اختفى بعض إشعاع هذه المنارة وتراجعت قدرتها على إنتاج الوجوه الفنية، لماذا برأيك؟
- كانت الكويت منارة فنية، ومنصة لنجاح بعض الفنانين؛ لأننا كنا نعمل على قاعدة «الرجل المناسب في المكان المناسب»، لكن ذلك تراجع الآن، كانت لدينا فرق موسيقية واستديوهات وشركات إنتاج وإذاعة ومساحات واسعة للفن، اختفى كل ذلك الآن، واختفى معه الاهتمام والدعم المادي، فأنا على سبيل المثال، وبعد مسيرة طويلة في المجال الفني، أتقاضى دخلاً قليلاً جداً، وهذا غير منصف ولا يعكس الدعم المعنوي والأدبي الذي يستحقه كل من قضى عقوداً في دعم الحركة الفنية والأدبية في الكويت.
> ساهمت مع غيرك من كبار الشعراء في تطوير شكل الأغنية الكويتية والخليجية، وإعطائها نبرة جديدة عذبة، هل توقفت الأغنية الخليجية عن تقديم نفسها بشكل مختلف وأضحت غير قابلة للتطوير الآن؟
- تطور الأغنية، والسر وراء نجاحها أو فشلها، تتحمله ثلاثة عناصر؛ المؤلف والملحن والمطرب، المؤلف مطالَب بالكتابة بإحساس وصدق وأمانة، والملحن يجب أن يؤطر اللحن بتمهل وعناية، والمطرب ينقل الإحساس ويتعايش مع الكلمات ويتأمل فيها بعمق.
الآن، للأسف، هناك خليط من الارتجالية والازدراء لجوهر الغناء، وهي تزاحم القليل النادر من الأغنيات الجيدة، ويفسرون الإنتاجات الرديئة بأنها تلبي طلب الجمهور وذوقهم، وهذا خطأ أرجو أن ينتهي في المستقبل القريب.
كما أن الأغنية «المكبلهة» الآن، أصبحت غير مرغوبة؛ لأنها مكلفة للمنتِج، بسبب التنوع في ألحانها ووصلاتها، وساهم المنتجون في استبعادها، وبالتالي إضعاف المنتج الغنائي عموماً؛ لأن هذا ينعكس تلقائياً على كاتب الكلمات، والحد من موهبته في الكتابة العفوية المسترسلة بإحساس عميق وضمير حاضر ولغة جميلة، دون أن يفرض عليه المنتج لون أو وزن معين.
كما أن آلية إنتاج الأغنية اختلفت اليوم، فكل العناصر المكوّنة للعمل أصبحت تعمل منفردة وفي مواقع ومواقيت منفصلة، بخلاف ما كان عليه الحال سابقاً، عندما كان يجتمع المشاركون في مطبخ واحد، وقضاء أوقات طويلة معاً في متابعة التفاصيل الدقيقة والتركيز على العمل بحرص شديد.
> أخذت الأغنية الوطنية مساحة كبيرة في شعرك وإنتاجك، كانت الأوبريتات الوطنية الخليجية علامة ظاهرة في العقود الماضية، انخفضت شعبيتها اليوم، لماذا برأيك؟
- لأن الأغراض المادية طغت، على حساب بعض العناصر الضرورية لنجاح أي عمل، هناك استديوهات تهتم بالمردود المالي والمصلحة أكثر من غيرها، وبمجرد أن تقترب المناسبات الوطنية تنشط هذه الاستديوهات لإنتاج الغث والسمين، لاستغلال الموسم والخروج بأكبر قدر من العائد الممكن، ويتم تقديم إنتاجات هشة من دون روح ولا طعم.
كنا في السابق، نكتب الأغنية الوطنية بصدق وأمانة، وننحّي أي أهداف ربحية أو مادية من هذه الأعمال، وأنا ساهمت في كتابة الكثير من الأعمال الوطنية، والسعودية لها تجربة مهمة في هذا المجال، وفي مكتبتها الكثير من الأعمال الوطنية الخالدة، كتبها أمراء وشعراء عمالقة، وكذلك الحال في بقية دول الخليج، بسبب الاعتناء الصادق بتفاصيلها وهيكلها العام.
> ما تعليقك على الحراك الفني والثقافي الذي تشهده السعودية في ظل «رؤية 2030»، والأثر الذي ستجده على مستقبل الفنون بالمنطقة؟
السعودية قفزت قفزة كبيرة في مجالات الثقافة والفن، وأضحت وجهة عظيمة لاهتمامات مختلفة، بفضل رؤية القيادة الكريمة في هذا البلد المهم والمؤثر في المنطقة، الفعاليات التي تنظم في السعودية اليوم قدمتها في ثوب جديد وجميل، ويعمل رجالها المخلصون باجتهاد، وسيتضح حصاد وثمرة هذه النقلة مستقبلاً.
- الحصول على الرابط
- X
- بريد إلكتروني
- التطبيقات الأخرى
التسميات
الشرق الأوسط- الحصول على الرابط
- X
- بريد إلكتروني
- التطبيقات الأخرى
تعليقات
إرسال تعليق