التخطي إلى المحتوى الرئيسي

إدريس أبو عوف





كان مدافعاً صلباً ، هذا أقل ما يوصف به الآن ، وأصدق ما يمتاز به سابقاً ، يستميت في إنقاذ فريقه من هجمات الخصم ، بدأت شهرته تزداد وهجاً بمرور الوقت ، يتفانى في خدمة كل فريق يلعب لصالحه ، لقد طبقت سمعته الحسنة في خط الدفاع ملاعب الحواري التي تنتشر في القنفذة .

يضاف إلى ذلك روحه الحلوة التي تأتلق في داخله ، ودماثة خلقه التي صنعت له حضوراً اجتماعياً لافتاً في أوساط زملاء دراسته وفريقه وقريته .

لم يكن يدور في خلده لحظة أنه سيواجه ذلك التحدي الصعب ، يمضي حياته مستمتعاً بكل فرصها المتاحة ، حتى حانت ساعة مفصلية في منظومة حياته ، وقع له حادث مروري مروع انتهى إلى شلّ أطرافه السفلية إلى أجل غير مسمى ، أمسى في واقع كالح وشديد القتامة ، لقد خسر الرهان على ساقيه التي كان يطلقها للريح مدافعاً يذرع أركان الملعب ، وسارحاً يجوب أطراف قريته الوادعة .

لقد توقف عن اللعب الآن استجابة لظروفه الجديدة ، كان الخبر مفجعاً بالنسبة له ولأترابه ، لكن المفاجأة كانت تسكن داخل قلبه الكبير ، لقد تفجرت ينابيع الفأل في أعماقه ، عندما تعطلت قدميه أصبح تركيزه منصباً على أعماقه التي أطلق لها العنان ، زاد حضوره الاجتماعي وتوهج أكثر وأصبح مثاراً للإعجاب والتقدير ، تضاعفت قيمته لدى أصدقائه وعائلته وقبل ذلك أمام نفسه .

لم يكن هذا بدافع الشفقة مطلقاً ، ولكنهم يحتاجون إليه أكثر ، إلى قصته النابضة بالإصرار والعزم ، وروحه المشتعلة تفاؤلاً وحماسة للحياة ، عندما تلمحه والأصدقاء يلفونه بأجسادهم ستجده يتدفق بابتسامته المفعمة .

لم يكن ذلك الحادث المدوّي في أعماقه سبباً مقنعاً للتوقف عن متابعة منافسات كرة الحواري ، إنه يتابعها باهتمام ويحرص على تشجيع فريقه ومؤازرة نجوم خط الدفاع الذي ينتمي إليه ، وما زال يحصل على جوائز التقدير الرياضي وكأنه لا زال لاعبهم الأول ، آخرها كان مع جائزة بطولة العين .

قبل شهور كان يحتفل بحفل زفافه ، جاء ذلك المساء تتويجاً لحضوره الاجتماعي المميز ، انهالت عليه الهدايا أغزر مما كان يتوقع ، شعر بالدفء يسري في عروقه ويتفتق في ملامحه ، إنه يزيد إصراراً وتفاؤلاً مع كل مناسبة للفرح .

هذا التفاؤل سافر به إلى بلاد الصين القاصية بحثاً عن علاج يداوي علّة أطرافه ، محاولاته مستمرة في هذا الإطار ودافعه لا ينام من واقع روحه المتوثبة فألاً وحسن ظن بالله العليّ الكبير .

يمتلك إدريس أبو عوف موسيقاه الداخلية التي تغنيه عن كل ناعق خارجي يثبط عزيمته ويطفئ جذوة حبه للحياة ، إنه متشبع حدّ الغرق بإحساسه النبيل ، هذه الموسيقى يترجمها أحياناً عبر جلساته الطربية التي يجد فيها نفسه ، فهو شاب طروب ، يعتبر الغناء والموسيقى جزءاً من الحياة وطريقة للتعبير عن الفرح .









تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

السعوديون يحتفون بالذكرى السابعة لبيعة الملك سلمان

خادم الحرمين رافق مراحل التنمية على مدى 60 عاماً   الاثنين - 3 شهر ربيع الثاني 1443 هـ - 08 نوفمبر 2021 مـ رقم العدد [ 15686] الرياض: عمر البدوي وبندر مسلم يحتفي السعوديون اليوم بالذكرى السابعة لتولي خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز مقاليد الحكم في 23 يناير (كانون الثاني) الموافق (3 ربيع الثاني 1436هــ) ومبايعته ملكاً للبلاد، ورائداً لمرحلة جديدة تخوضها السعودية منذ وصوله قبل ٧ سنوات، كسابع ملوك المملكة بعد إعلان توحيدها عام 1932. الملك سلمان بن عبد العزيز الذي رافق مراحل مفصلية من عمر البلاد، اختبر خلالها المفاصل التاريخية التي آلت بالسعودية إلى ما هي عليه اليوم من تنمية وازدهار، ومن موقعه سابقاً، حيث كان أميراً لمنطقة الرياض لأكثر من خمسة عقود وتسميته أميراً لها عام 1955 وهو في عقده الثاني من العمر، راقب البلاد وهي تنمو. حتى أصبح قائداً للبلاد، وشاهداً على نهضتها الجديدة، في مختلف الجوانب السياسية والاقتصادية والاجتماعية والتنموية والتنظيمية، والأعمال والمشاريع والمبادرات السريعة والمتلاحقة على المستويين التنموي والاجتماعي، والتي أضحت بفضلها السعودية منافساً تلقائي...

انحسار الشافعية من جنوب السعودية : ماذا خسرت ” القنفذة ” بجفاف طبيعتها الدينية ؟

البندر | عمر البدوي - القنفذة استقر في ذهني أن المذاهب التي تشق طريقها في جسد كل دين هي بمثابة عمليات التسوية بين أوامر الشريعة وحاجات الإنسان ، بين المبادئ والمصالح ، بين الدين والدنيا ، بين الحق والهوى ، بين عزائم الدين وظروف البيئة ، وهذا يعطي الأديان فرصة العيش بانسجام واحترام مع البشرية ، كما أنه يعطيها القدرة على البقاء والصلاح لكل زمان ومكان . إذ تختلف طبائع البشر حسب جذورهم العرقية وظروفهم البيئية وتوافر الشروط المادية ، ولأن الأديان لا تصادم مصالح البشر ، فإن المذاهب تقدم جهداً في سبيل إعادة صياغة المقدس مع الواقع ، وتفسير النص على ضوء المصالح . كما أن الاختلاف وارد في سنن الكون وطبيعة البشر وتركيبة الدنيا ونسيج الحياة ، وهذا ما يفرز مذاهب متعددة تنتمي لها الطوائف عن قناعة ورضا وينبت على هوامشها التعصب لدوافع الانتماء العميق والاحتماء بالكيانات المختلفة التي تمنحهم الشعور بوجودهم وتميزهم وتمنحهم هوية البقاء والحياة . وكل من يصادم الطبيعة المودعة في مكنون الدنيا لأغراض سياسية أو اقتصادية أو حتى دينية متخيلة ، فإنه لابد سيقع في قبضة المغامرة غير المحسوبة وس...

«بيت الرشايدة».. «وقف» تحول «أكاديمية» تحتفظ بأسرار جدة

جدة – عمر البدوي   تسجل حارات وأزقة جدة القديمة، التي لا تزال تحتفظ بروحها وعبق تاريخها في الأبنية الشاهقة، وهي تقف في قلب المنطقة التاريخية، شهادة على النواة الأولى التي انبثقت منها واحدة من أهم المدن التجارية في تاريخ المملكة والشرق الأوسط. في حارة الشام، وتحديداً في شارع أبو عنبة، يقف معمار أخضر شامخاً بين أبنية المنطقة، على باب المبنى لوحة نُحتت عليها آية قرآنية، وأرّخت اللوحة في العام 1301 للهجرة. ويُسمى هذا المعمار «بيت الرشايدة»، نسبة إلى بانيه محمد عبدالرشيد، ويتكوّن من أدوار عدة، وأوقفه الرشيد علي العثماني في العام 1333هـ، بيت الرشايدة أو البيت الأخضر من أجمل البيوت التراثية وسط جدة القديمة، ويعود عمره إلى أكثر من 150 سنة. وتعود تسمية البيت إلى قبيلة الرشايدة التي ينتمي إليها بانيه وموقفه، وهي من القبائل المهاجرة من الحجاز وإليه. إلا أن ملكية البيت الآن تعود إلى وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد السعودية. ولأن البيت خلال الستينات الميلادية من القرن الماضي، احتضن نشاطاً أكاديمياً، تحول الآن وبفضل أحد فنّاني جدة إلى «أكاديمية حديثة»، بعدما استأجر...