كان مدافعاً صلباً ، هذا أقل ما يوصف به الآن ، وأصدق ما يمتاز به سابقاً ، يستميت في إنقاذ فريقه من هجمات الخصم ، بدأت شهرته تزداد وهجاً بمرور الوقت ، يتفانى في خدمة كل فريق يلعب لصالحه ، لقد طبقت سمعته الحسنة في خط الدفاع ملاعب الحواري التي تنتشر في القنفذة .
يضاف إلى ذلك روحه الحلوة التي تأتلق في داخله ، ودماثة خلقه التي صنعت له حضوراً اجتماعياً لافتاً في أوساط زملاء دراسته وفريقه وقريته .
لم يكن يدور في خلده لحظة أنه سيواجه ذلك التحدي الصعب ، يمضي حياته مستمتعاً بكل فرصها المتاحة ، حتى حانت ساعة مفصلية في منظومة حياته ، وقع له حادث مروري مروع انتهى إلى شلّ أطرافه السفلية إلى أجل غير مسمى ، أمسى في واقع كالح وشديد القتامة ، لقد خسر الرهان على ساقيه التي كان يطلقها للريح مدافعاً يذرع أركان الملعب ، وسارحاً يجوب أطراف قريته الوادعة .
لقد توقف عن اللعب الآن استجابة لظروفه الجديدة ، كان الخبر مفجعاً بالنسبة له ولأترابه ، لكن المفاجأة كانت تسكن داخل قلبه الكبير ، لقد تفجرت ينابيع الفأل في أعماقه ، عندما تعطلت قدميه أصبح تركيزه منصباً على أعماقه التي أطلق لها العنان ، زاد حضوره الاجتماعي وتوهج أكثر وأصبح مثاراً للإعجاب والتقدير ، تضاعفت قيمته لدى أصدقائه وعائلته وقبل ذلك أمام نفسه .
لم يكن هذا بدافع الشفقة مطلقاً ، ولكنهم يحتاجون إليه أكثر ، إلى قصته النابضة بالإصرار والعزم ، وروحه المشتعلة تفاؤلاً وحماسة للحياة ، عندما تلمحه والأصدقاء يلفونه بأجسادهم ستجده يتدفق بابتسامته المفعمة .
لم يكن ذلك الحادث المدوّي في أعماقه سبباً مقنعاً للتوقف عن متابعة منافسات كرة الحواري ، إنه يتابعها باهتمام ويحرص على تشجيع فريقه ومؤازرة نجوم خط الدفاع الذي ينتمي إليه ، وما زال يحصل على جوائز التقدير الرياضي وكأنه لا زال لاعبهم الأول ، آخرها كان مع جائزة بطولة العين .
قبل شهور كان يحتفل بحفل زفافه ، جاء ذلك المساء تتويجاً لحضوره الاجتماعي المميز ، انهالت عليه الهدايا أغزر مما كان يتوقع ، شعر بالدفء يسري في عروقه ويتفتق في ملامحه ، إنه يزيد إصراراً وتفاؤلاً مع كل مناسبة للفرح .
هذا التفاؤل سافر به إلى بلاد الصين القاصية بحثاً عن علاج يداوي علّة أطرافه ، محاولاته مستمرة في هذا الإطار ودافعه لا ينام من واقع روحه المتوثبة فألاً وحسن ظن بالله العليّ الكبير .
يمتلك إدريس أبو عوف موسيقاه الداخلية التي تغنيه عن كل ناعق خارجي يثبط عزيمته ويطفئ جذوة حبه للحياة ، إنه متشبع حدّ الغرق بإحساسه النبيل ، هذه الموسيقى يترجمها أحياناً عبر جلساته الطربية التي يجد فيها نفسه ، فهو شاب طروب ، يعتبر الغناء والموسيقى جزءاً من الحياة وطريقة للتعبير عن الفرح .
تعليقات
إرسال تعليق