للوهلة الأولى تعتقد أن هؤلاء مجرد شباب عاديين يلتقطون لهم صوراً أمام المرايا المصقولة لإرواء نرجسيتهم الطاغية . تعتقد أنهم مجرد شباب مستغرقون في حياة بلا هدف أو معنى أو نهاية للوقت الذي يهدرونه على سفح ملاهيهم الفارغة . تعتقد أنهم مجرد شباب ينام ويأكل ويصحو ويلهث وراء الفراغ ، لا يحمل هماً للمستقبل أو طموحاً يشتعل في فؤاده أو فكرة تستضيء في عقله . ولكن البراء ، وعلي ، وأحمد ، وصالح على العكس من ذلك تماماً ، إنهم يستعدون لاستكمال نزهتهم في مدينة جدة ، وفي الطريق التقطوا هذه الصورة التي تجسد طبيعتهم العفوية وتلقائيتهم الطريّة . تعودت هذه المجموعة أن تذهب في نزهة أسبوعية للتخفيف من ضغط برنامجهم العلمي الذي يستغرق أوقاتهم ويستحوذ على اهتماماتهم ، يحفظون القرآن الكريم كاملاً ويشتغلون على دراسة العلوم الشرعية ولم يتبقى سوى عشرة أجزاء تفصلهم عن حفظ القرآن بسند يتصل بالنبي الكريم صلى الله عليه وسلم . في مدينة جدة التي اختاروها للتنزه نهاية هذا الأسبوع يناصفون الوقت بين الخروج للتنزه وبين مراجعة أوراد القرآن لبعضهم البعض ، فالقرآن لا ينفصل عن حياتهم ولا ينقطع يوماً من عمرهم . رغم أنهم ذهبوا لمجرد التنزه ولكنهم لم يفوتوا فرصة للقاء بعض مشاهير الدعاة في جدة والاستماع لبعض محاضراتهم . هم بمحض إرادتهم يديرون شكل اليوم الذي يعيشونه هنا ، لا تتدخل عناية أبوية أو وصاية مشيخية ، هم بأنفسهم تدفعهم القناعة بمشروعهم وتحفهم عناية الله ويحيط بهم الإيمان بهدفهم . أصغرهم يدرس في الثاني الثانوي وهو يشتعل نشاطاً وهمة عالية تتواضع أمامها أعمار الرجال ، يحدثني عن نيتهم الصلاة بمكة صلاتي المغرب والعشاء في طريق عودتهم لديارهم ، حتى تطيب رحلتهم وتتعطر نزهتهم بعبق البقاع المقدسة . أكتب هذا للشباب وأنا أولهم عن أمانة النفس التي تتلجلج في حلوقهم ، عن حظ النفس من المستقبل والطموح والنجاح ، عن الوقت الذي يذهب سدى وعن العمر الذي ينقضي بلا معنى ، أكتبه للآباء والأمهات ، وأقصدهم بكلامي هذا ، أسائلهم عن أمانة أبنائهم ، عن مسؤوليات التربية والتنمية والاهتمام والرعاية ، هل زاحمتهم الواجبات الاجتماعية والمجاملات عن العناية بأبنائهم على نحو يرتقي بهم ويحفظهم أم تركوهم نهباً لضغوطهم وشهواتهم وألقوا المسؤولية على " الشارع " !
تركتهم وأنا أوصيهم بسؤال الله الثبات على الحق والعياذ به من الغرور والعجب بالنفس ، تركتهم يهدرون بالقرآن في شقة تنتصف حي الوزيرية ، تركتهم بعين اغرورقت بالدموع والأسى على شباب بنفس أعمارهم غارقون في التيه وسادرون في الضياع ، تركتهم وأنا أرمق السماء وأسائل الله كيف هو حال أرتال الشباب الذين أعرفهم والفراغ يخنقهم وحزمة الهموم تكاد تفتك بهم من شدة الفراغ وبأس المراهقة الشديد . تركتهم وأنا أزداد قناعة ، أن البيوت تصنع الفرغ ، وفهمكم يكفي يا سادة !
في الصور :
علي أحمد العمري - دراسات إسلامية بكلية القنفذة - يحفظ القرآن الكريم كاملاً صالح أحمد العلوي - دراسات اسلامية في القنفذة - يحفظ القرآن الكريم كاملاً أحمد علي الشاعري - دراسات اسلامية في كلية القنفذة - يحفظ عشرين جزءاً من القرآن الكريم البراء مشعل الفلاحي - الصف الثاني الثانوي - يحفظ القرآن الكريم كاملاً حسن جابر العمري - الصف الثالث الثانوي - يحفظ القرآن الكريم كاملاً
تعليقات
إرسال تعليق