كانت امرأة بسيطة تقمّ المسجد ،
استفقدها النبي الكريم - عليه الصلاة والسلام - وسأل عنها وكان الجواب مفجعاً إذ
رحلت إلى بارئها ، انزعج النبي لأنه لم يدري بها ، واعتذر الصحابة الكرام بتأخر
الوقت وخشية إزعاج النبي ، توجه مباشرة ليصلي على قبرها ، تكريماً لدورها وبذلها ،
وما عرف المؤرخون أن محمد بن عبد الله - صلى الله عليه وسلم - صلّى على جنازة بعد
دفنها غير هذه المرأة السوداء .
والحقيقة أنها امرأة عادية ، كانت
تقوم بعمل بسيط ، وماتت بشكل تقليدي ، ودفنت كما يدفن عامة الناس ، ولكنها كانت
تعيش في مجتمع صالح ، ناضج ، ومتحضر ، ويزن الناس بميزان الاحترام والاهتمام على
اختلاف أديانهم وأجناسهم وذكوريتهم وأنوثتهم ، ولذا كانوا سادة البشرية ، وعباقرة
الكون ، ومحور الحضارة ، واحتفظ التاريخ بحضورهم الفاخر رغم تطاول السنين .
ثم انحدرت هذه الحالة الحضارية في
الأمة العربية والإسلامية ، وأكثر الأمثلة وضوحاً تكلف المؤرخين تنقية التاريخ من
أدوار المرأة التاريخية وحضورها الرمزي والاجتماعي والثقافي في أحشاء الماضي ،
ولعله تعففاً ، أو ظلماً ذكورياً ، أو تصرفاً غير لائق ولا حضاري ، المهم أن
المرأة مغيبة من السردية التاريخية للأمة وكأنها محاولة مقصودة لمحوها من الذاكرة
الجمعية وتبريرٌ للمظالم الواقعة عليها .
رغم الحضور المبتسر للمرأة في
تاريخنا ، ولكن ثمة نماذج أبت إلا تسجيل حضورها التاريخي بفرض واقع الفعل المبدع (
الخنساء ) ، ولكنها عادة ما ترسخ طبيعتها المغلوبة ، وقدرتها الضعيفة على التحمل
والعمل والإبداع ( المرأة المستصرخة بالمعتصم ) ، على خلاف العهد النبوي الكريم
الذي استطاعت أن تسجل فيه المرأة المسلمة العربية أقوى حضور وتأثير وفاعلية "
مراقبة الأسواق ( الشيماء ) ، المشاركة الحربية (أم سليم بنت ملحان ) ،
الاستشارة الناضجة ( أم سلمة ) ، التضحية المتفانية ( المرأة الذي خسرت زوجها
وولدها وأخوها وحرصت على سلامة الرسول ) " .
اليوم ، وكأن أحداً لا يريد للمرأة
أن تتسنم دورها الريادي واللائق بها ، حتى لو اعتذر بالخوف عليها والشفقة بها ،
فإن النية الحسنة لا تكفي لإدارة مجتمع يتشوّف إلى الفاعلية والتشارك في صنع القرار
والإنجاز ، الأمم الناضجة هي التي توظف كل أطرافها ورأس مالها البشري في عملية
التنمية والتقدم ، وتبقى الأخطاء الجانبية والعثرات الأخلاقية والجنائية في مسرح
القضاء والاحتكام إلى الشرع الحنيف والقانون المنصف .
تفاقمت الأزمة إلى حدود مزعجة
وتطاولت إلى سقف إيذاء شقائق الرجال ، حتى احتبسن في بيوتهن عرضة للابتزاز والقهر
ومخاطر الكبت وتعطيل دورهن ، ثم احتفل أهل التشدد والحرج بمجتمع فاضل لا يأتيه
الزيغ من بين يديه ولا من خلفه ، ولعمري إن هذا من أعظم الجهل .
تربعت الذكورية المستفحلة على صدر
المجتمع ، ومارست كل خيباتها باسم الدرجة الفاضلة على النساء ، وفاقمت من حجر
المرأة ومظلوميتها ، واعتقدت أنها الأولى بالحياة وأن الأنثى كائن جاء على سبيل
الخطأ ، وكأن عادة العرب في وأد البنات استفاقت من جديد .
" المرأة أولى بها بيتها
" وهذا صحيح إلى حد بعيد ، ولا أجد في نفسي حرجاً ولا تنقاضاً عندما أصرح
بهذه القاعدة الثمينة ، لأن تحويل التربية إلى مشروع متكامل لتخريج جيل منفتح
ومتميز وقادر ومستعد لخوض الحياة ، من أعظم ما يمكن أن تقدمه المرأة لمجتمعها
وللإنسانية كلها ، ويبقى وراء كل رجل عظيم امرأة عظيمة .
ولكن تجفيف منابع الرذيلة وتضييق
فرص حصول الجريمة أمر ، وتعطيل دور المرأة الناضجة القادرة ، وحرمان المجتمع من
فاعلية وتأثير هذا العنصر النوعي وفائق القدرة شأن آخر وإن استتر بكل الحجج
الشرعية والمنطقية والأخلاقية الواهية أو الصلبة ، إلى جانب استفحال الرجال غير
الأخلاقي وتقديم صورة غاية في السطحية والمظلومية للمرأة ، وحقن العقل الجمعي بهذا
التعميم المجحف يعتبر جريمة في حق الله ثم الإنسان والمستقبل .
أصبح من العيب - بفعل هذه الثقافة
المنحرفة - أن نقول فلانة أصبحت محط إعجاب وتقدير ، أو نمنحها استحقاقاً
علمياً أو اجتماعياً لقاء جهد علمي أو مبادرة اجتماعية إيجابية ، فضلاً عن طمر
عشرات الإمكانات والمواهب التي تضاءلت في حضور الاستفحال المؤذي .
هناك تصور بأن الرجولة الحقيقية
عندما تسيطر على المرأة وتفرض عليها ملامح الحشمة والحجاب ، وقد نقل عن أحد
المهتمين بقضايا المرأة قوله : (تعرف رجولة الرجل من عباءة زوجته ، فمن لا يقدر
علَى ستر زوجته أمام الناس لا يقدر عليها في بيته ، حقيقة لا يستطيع أحد إنكارها
في هذا الزمن ) متجاوزاً كل شروط القوامة الحقيقية التي تمنحه سلطة إدارة
البيت من نفقة واجبة ومودة ورحمة وتحقيق الحاجة الجنسية الكافية .
واختصرت كل هذه الشروط المتكاملة
للقوامة في مجرد الغلظة والقسوة التي تمكنه من فرض الحجاب الساتر ، والحشمة يا سادة
شيء آخر غير قطعة القماش الأسود التي قد تغطي جسداً متكشفاً من داخله وعارياً من
التقوى ومنسلخاً من إنسانيته في ظل ( راجل ) لا يقوم بحقها ولا يؤدي واجبه تجاه
زوجته .
هناك اعتقاد بأن الرجل فاضل دائماً ، والمرأة أقرب إلى الشيطان وأسرع
إلى الانحراف وأولى بالتحصين وحرمانها التمكين ، وهذه الذهنية تسوّل لعلماء الدين
استصدار فتاوى ظالمة ولرجال القضاء استزراع أحكام جائرة ولخبراء المجتمع تحليلات
قاسية في حق المرأة المظلومة المهضمومة .
” المرأة أولى بها بيتها ” وهذا صحيح إلى حد بعيد ، ولا أجد في نفسي حرجاً ولا تنقاضاً عندما أصرح بهذه القاعدة الثمينة ، لأن تحويل التربية إلى مشروع متكامل لتخريج جيل منفتح ومتميز وقادر ومستعد لخوض الحياة ، من أعظم ما يمكن أن تقدمه المرأة لمجتمعها وللإنسانية كلها ، ويبقى وراء كل رجل عظيم امرأة عظيمة .
ولكن تجفيف منابع الرذيلة وتضييق فرص حصول الجريمة أمر ، وتعطيل دور المرأة الناضجة القادرة ، وحرمان المجتمع من فاعلية وتأثير هذا العنصر النوعي وفائق القدرة شأن آخر وإن استتر بكل الحجج الشرعية والمنطقية والأخلاقية الواهية أو الصلبة ، إلى جانب استفحال الرجال غير الأخلاقي وتقديم صورة غاية في السطحية والمظلومية للمرأة ، وحقن العقل الجمعي بهذا التعميم المجحف يعتبر جريمة في حق الله ثم الإنسان والمستقبل .
الرابط :
تعليقات
إرسال تعليق