التخطي إلى المحتوى الرئيسي

معنى أن تكون فحلاً لا رجلاً ؟





كانت امرأة بسيطة تقمّ المسجد ، استفقدها النبي الكريم - عليه الصلاة والسلام - وسأل عنها وكان الجواب مفجعاً إذ رحلت إلى بارئها ، انزعج النبي لأنه لم يدري بها ، واعتذر الصحابة الكرام بتأخر الوقت وخشية إزعاج النبي ، توجه مباشرة ليصلي على قبرها ، تكريماً لدورها وبذلها ، وما عرف المؤرخون أن محمد بن عبد الله - صلى الله عليه وسلم - صلّى على جنازة بعد دفنها غير هذه المرأة السوداء .
والحقيقة أنها امرأة عادية ، كانت تقوم بعمل بسيط ، وماتت بشكل تقليدي ، ودفنت كما يدفن عامة الناس ، ولكنها كانت تعيش في مجتمع صالح ، ناضج ، ومتحضر ، ويزن الناس بميزان الاحترام والاهتمام على اختلاف أديانهم وأجناسهم وذكوريتهم وأنوثتهم ، ولذا كانوا سادة البشرية ، وعباقرة الكون ، ومحور الحضارة ، واحتفظ التاريخ بحضورهم الفاخر رغم تطاول السنين .
ثم انحدرت هذه الحالة الحضارية في الأمة العربية والإسلامية ، وأكثر الأمثلة وضوحاً تكلف المؤرخين تنقية التاريخ من أدوار المرأة التاريخية وحضورها الرمزي والاجتماعي والثقافي في أحشاء الماضي ، ولعله تعففاً ، أو ظلماً ذكورياً ، أو تصرفاً غير لائق ولا حضاري ، المهم أن المرأة مغيبة من السردية التاريخية للأمة وكأنها محاولة مقصودة لمحوها من الذاكرة الجمعية وتبريرٌ للمظالم الواقعة عليها .
رغم الحضور المبتسر للمرأة في تاريخنا ، ولكن ثمة نماذج أبت إلا تسجيل حضورها التاريخي بفرض واقع الفعل المبدع ( الخنساء ) ، ولكنها عادة ما ترسخ طبيعتها المغلوبة ، وقدرتها الضعيفة على التحمل والعمل والإبداع ( المرأة المستصرخة بالمعتصم ) ، على خلاف العهد النبوي الكريم الذي استطاعت أن تسجل فيه المرأة المسلمة العربية أقوى حضور وتأثير وفاعلية " مراقبة الأسواق ( الشيماء ) ، المشاركة الحربية (أم سليم بنت ملحان ) ، الاستشارة الناضجة ( أم سلمة ) ، التضحية المتفانية ( المرأة الذي خسرت زوجها وولدها وأخوها وحرصت على سلامة الرسول ) " .
اليوم ، وكأن أحداً لا يريد للمرأة أن تتسنم دورها الريادي واللائق بها ، حتى لو اعتذر بالخوف عليها والشفقة بها ، فإن النية الحسنة لا تكفي لإدارة مجتمع يتشوّف إلى الفاعلية والتشارك في صنع القرار والإنجاز ، الأمم الناضجة هي التي توظف كل أطرافها ورأس مالها البشري في عملية التنمية والتقدم ، وتبقى الأخطاء الجانبية والعثرات الأخلاقية والجنائية في مسرح القضاء والاحتكام إلى الشرع الحنيف والقانون المنصف .
تفاقمت الأزمة إلى حدود مزعجة وتطاولت إلى سقف إيذاء شقائق الرجال ، حتى احتبسن في بيوتهن عرضة للابتزاز والقهر ومخاطر الكبت وتعطيل دورهن ، ثم احتفل أهل التشدد والحرج بمجتمع فاضل لا يأتيه الزيغ من بين يديه ولا من خلفه ، ولعمري إن هذا من أعظم الجهل .
تربعت الذكورية المستفحلة على صدر المجتمع ، ومارست كل خيباتها باسم الدرجة الفاضلة على النساء ، وفاقمت من حجر المرأة ومظلوميتها ، واعتقدت أنها الأولى بالحياة وأن الأنثى كائن جاء على سبيل الخطأ ، وكأن عادة العرب في وأد البنات استفاقت من جديد .
" المرأة أولى بها بيتها " وهذا صحيح إلى حد بعيد ، ولا أجد في نفسي حرجاً ولا تنقاضاً عندما أصرح بهذه القاعدة الثمينة ، لأن تحويل التربية إلى مشروع متكامل لتخريج جيل منفتح ومتميز وقادر ومستعد لخوض الحياة ، من أعظم ما يمكن أن تقدمه المرأة لمجتمعها وللإنسانية كلها ، ويبقى وراء كل رجل عظيم امرأة عظيمة .
ولكن تجفيف منابع الرذيلة وتضييق فرص حصول الجريمة أمر ، وتعطيل دور المرأة الناضجة القادرة ، وحرمان المجتمع من فاعلية وتأثير هذا العنصر النوعي وفائق القدرة شأن آخر وإن استتر بكل الحجج الشرعية والمنطقية والأخلاقية الواهية أو الصلبة ، إلى جانب استفحال الرجال غير الأخلاقي وتقديم صورة غاية في السطحية والمظلومية للمرأة ، وحقن العقل الجمعي بهذا التعميم المجحف يعتبر جريمة في حق الله ثم الإنسان والمستقبل .
أصبح من العيب - بفعل هذه الثقافة المنحرفة - أن نقول فلانة أصبحت محط إعجاب وتقدير ، أو نمنحها استحقاقاً علمياً أو اجتماعياً لقاء جهد علمي أو مبادرة اجتماعية إيجابية ، فضلاً عن طمر عشرات الإمكانات والمواهب التي تضاءلت في حضور الاستفحال المؤذي .
هناك تصور بأن الرجولة الحقيقية عندما تسيطر على المرأة وتفرض عليها ملامح الحشمة والحجاب ، وقد نقل عن أحد المهتمين بقضايا المرأة قوله : (تعرف رجولة الرجل من عباءة زوجته ، فمن لا يقدر علَى ستر زوجته أمام الناس لا يقدر عليها في بيته ، حقيقة لا يستطيع أحد إنكارها في هذا الزمن ) متجاوزاً كل شروط القوامة الحقيقية التي تمنحه سلطة إدارة البيت من نفقة واجبة ومودة ورحمة وتحقيق الحاجة الجنسية الكافية .
واختصرت كل هذه الشروط المتكاملة للقوامة في مجرد الغلظة والقسوة التي تمكنه من فرض الحجاب الساتر ، والحشمة يا سادة شيء آخر غير قطعة القماش الأسود التي قد تغطي جسداً متكشفاً من داخله وعارياً من التقوى ومنسلخاً من إنسانيته في ظل ( راجل ) لا يقوم بحقها ولا يؤدي واجبه تجاه زوجته .
هناك اعتقاد بأن الرجل فاضل دائماً ، والمرأة أقرب إلى الشيطان وأسرع إلى الانحراف وأولى بالتحصين وحرمانها التمكين ، وهذه الذهنية تسوّل لعلماء الدين استصدار فتاوى ظالمة ولرجال القضاء استزراع أحكام جائرة ولخبراء المجتمع تحليلات قاسية في حق المرأة المظلومة المهضمومة .

” المرأة أولى بها بيتها ” وهذا صحيح إلى حد بعيد ، ولا أجد في نفسي حرجاً ولا تنقاضاً عندما أصرح بهذه القاعدة الثمينة ، لأن تحويل التربية إلى مشروع متكامل لتخريج جيل منفتح ومتميز وقادر ومستعد لخوض الحياة ، من أعظم ما يمكن أن تقدمه المرأة لمجتمعها وللإنسانية كلها ، ويبقى وراء كل رجل عظيم امرأة عظيمة .

ولكن تجفيف منابع الرذيلة وتضييق فرص حصول الجريمة أمر ، وتعطيل دور المرأة الناضجة القادرة ، وحرمان المجتمع من فاعلية وتأثير هذا العنصر النوعي وفائق القدرة شأن آخر وإن استتر بكل الحجج الشرعية والمنطقية والأخلاقية الواهية أو الصلبة ، إلى جانب استفحال الرجال غير الأخلاقي وتقديم صورة غاية في السطحية والمظلومية للمرأة ، وحقن العقل الجمعي بهذا التعميم المجحف يعتبر جريمة في حق الله ثم الإنسان والمستقبل .


الرابط :

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

السعوديون يحتفون بالذكرى السابعة لبيعة الملك سلمان

خادم الحرمين رافق مراحل التنمية على مدى 60 عاماً   الاثنين - 3 شهر ربيع الثاني 1443 هـ - 08 نوفمبر 2021 مـ رقم العدد [ 15686] الرياض: عمر البدوي وبندر مسلم يحتفي السعوديون اليوم بالذكرى السابعة لتولي خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز مقاليد الحكم في 23 يناير (كانون الثاني) الموافق (3 ربيع الثاني 1436هــ) ومبايعته ملكاً للبلاد، ورائداً لمرحلة جديدة تخوضها السعودية منذ وصوله قبل ٧ سنوات، كسابع ملوك المملكة بعد إعلان توحيدها عام 1932. الملك سلمان بن عبد العزيز الذي رافق مراحل مفصلية من عمر البلاد، اختبر خلالها المفاصل التاريخية التي آلت بالسعودية إلى ما هي عليه اليوم من تنمية وازدهار، ومن موقعه سابقاً، حيث كان أميراً لمنطقة الرياض لأكثر من خمسة عقود وتسميته أميراً لها عام 1955 وهو في عقده الثاني من العمر، راقب البلاد وهي تنمو. حتى أصبح قائداً للبلاد، وشاهداً على نهضتها الجديدة، في مختلف الجوانب السياسية والاقتصادية والاجتماعية والتنموية والتنظيمية، والأعمال والمشاريع والمبادرات السريعة والمتلاحقة على المستويين التنموي والاجتماعي، والتي أضحت بفضلها السعودية منافساً تلقائي...

انحسار الشافعية من جنوب السعودية : ماذا خسرت ” القنفذة ” بجفاف طبيعتها الدينية ؟

البندر | عمر البدوي - القنفذة استقر في ذهني أن المذاهب التي تشق طريقها في جسد كل دين هي بمثابة عمليات التسوية بين أوامر الشريعة وحاجات الإنسان ، بين المبادئ والمصالح ، بين الدين والدنيا ، بين الحق والهوى ، بين عزائم الدين وظروف البيئة ، وهذا يعطي الأديان فرصة العيش بانسجام واحترام مع البشرية ، كما أنه يعطيها القدرة على البقاء والصلاح لكل زمان ومكان . إذ تختلف طبائع البشر حسب جذورهم العرقية وظروفهم البيئية وتوافر الشروط المادية ، ولأن الأديان لا تصادم مصالح البشر ، فإن المذاهب تقدم جهداً في سبيل إعادة صياغة المقدس مع الواقع ، وتفسير النص على ضوء المصالح . كما أن الاختلاف وارد في سنن الكون وطبيعة البشر وتركيبة الدنيا ونسيج الحياة ، وهذا ما يفرز مذاهب متعددة تنتمي لها الطوائف عن قناعة ورضا وينبت على هوامشها التعصب لدوافع الانتماء العميق والاحتماء بالكيانات المختلفة التي تمنحهم الشعور بوجودهم وتميزهم وتمنحهم هوية البقاء والحياة . وكل من يصادم الطبيعة المودعة في مكنون الدنيا لأغراض سياسية أو اقتصادية أو حتى دينية متخيلة ، فإنه لابد سيقع في قبضة المغامرة غير المحسوبة وس...

«تتبع الحجارة» عنوان 100 يوم من الفن المعاصر في بينالي الدرعية

السعودية تشهد اليوم واحدة من أكبر المناسبات الفنية العالمية   السبت - 7 جمادى الأولى 1443 هـ - 11 ديسمبر 2021 مـ رقم العدد [ 15719] الرياض: عمر البدوي أصبح حي جاكس جاهزاً لانطلاق الدورة الأولى من بينالي الدرعية للفن المعاصر، واستقبال المتطلعين لزيارة واحدة من أكبر المناسبات الفنّية العالمية، ابتداءً من اليوم (السبت)، حتى 11 مارس (آذار) المقبل، وهو أول بينالي دولي يتطرق لموضوعات وأشكال الفن المعاصر في السعودية، ويعرض أعمالاً لفنانين عالميين ومحليين، مع مجموعة من الورش الثقافية والتجارب الممتعة. يأتي بينالي الدرعية، كتجربة استثنائية، ومنصة إبداعية تمتد لمائة يوم، تكشف جوهر الفنون السعودية بمختلف أنماطها، وتُفسح للفنانين مساحات للحوار وإثراء تجاربهم، لتعزيز المشهد الثقافي والفني، وتمكين المواهب المحلية، واستقطاب مجموعات الفنانين الدوليين لإغناء الحدث الفني المهم. وقال راكان الطوق، المشرف على الشـــؤون الثقافية والعلاقات الدولية في وزارة الثقافــــة الســـــعودية، إن استضافة المملكة لأول بينالي للفن المعاصر، يعدّ إنجازاً استثنائياً، وإن أهميته تأتي من كونــــه نقطة التقــــــاء للعالم،...