التخطي إلى المحتوى الرئيسي

جوعة النوم

طفل يبدو أنه موجع ينام في الزاوية من المسجد ، بينما بدأ الناس ينفضون بالانتهاء من صلاة الفجر .
بشرته سوداء وشعره جعد متفرق يشبه أثر حشرة زاحفة على صفحة تربة ملساء ، وثيابه متسخة ولا يمت السروال بصلة إلى القميص في لونها وقماشها أو الفريق الرياضي الذي تمثله .
يبدو أن آثار العمل الشاق بادية على ملابسه ، أما ملامحه فهي نفس ملامح البراءة الملساء والطفولة التي لم تكددها المشقة والعمل .
أصابع يديه منفرجة ومتمددة علّها ترتاح من عناء الانقباض نهاراً كاملاً لأجل العمل ، أو لعلها تعودت أن تكون ممدودة من أثر السؤال والحاجة .
ينام بعمق ، نومة تعود الأدباء التقليديون أن يحسدوه عليها في كتاباتهم الفجة وهم يدافعون عن نومة الفقير ويشنعون على نومة الغني المليئة بالكوابيس والفزاعات .
ينام في بيت الله ، لا أعرف إذا كان لهذا صلة بتحسين أحلامه وتجويد نوعية كوابيسه ، لعله يطرد الشياطين التي تنقض عليه في نومته وتذكره بويلات هذه الحياة على أساس أنه في مأمن منها طالما دخل بيت الله المعظم .
أو ربما هرب من قسوة والده وهو ينهره ويحمّله ما لا طاقة له به ، يا بني : والدك رحيم بك رؤوف ، ولكن حاجته قاسية وغليظة .
رغم أن هذا الطفل لم يسقط سهواً من عدالة الله ولا من رحمته التي وسعت كل شيء ، لكنه يعتبر مظهراً من مظاهر التوحش الإنساني ، هكذا خلقوا لنتعلم كيف أننا مقصرون ومخطئون في منح العدالة لإخواننا .
بالنسبة لي شعرت بكثير من الحزن العميق ، ومع ذلك بحثت عن المسؤولية ، كان بالإمكان أن تمتد يدي ببعض ريالاتي المتواضعة ، ولكنها لا تساوي هذه النومة العميقة وهي أشبه ما يكون بمخدر كلي تغيب فيه بعض آلامه وسؤالاته الحارقة .
قد يكون ذلك الريال المنطوي في زاوية الجيب مكتوباً كصدقة بالنسبة لي ، جالباً لحسنة ، مرضاة للرب ، ولكنه إهانة غير مباشرة لذلك الطفل الذي كان له الحق أن يعيش بكرامة وهناءة لولا أخطاء الإنسان المتوحش .
على العموم ، استغل هذا الطفل الموجع وقت مابين الأذان والإقامة ، واستفاق مذموماً مدحوراً لأن عامل المسجد طرده من بيت الله وهو آمن .

فجر الأربعاء ١٨ / ١٠ / ١٤٣٣
جدة - مسجد الأمير متعب - حي الثغر

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

انحسار الشافعية من جنوب السعودية : ماذا خسرت ” القنفذة ” بجفاف طبيعتها الدينية ؟

البندر | عمر البدوي - القنفذة استقر في ذهني أن المذاهب التي تشق طريقها في جسد كل دين هي بمثابة عمليات التسوية بين أوامر الشريعة وحاجات الإنسان ، بين المبادئ والمصالح ، بين الدين والدنيا ، بين الحق والهوى ، بين عزائم الدين وظروف البيئة ، وهذا يعطي الأديان فرصة العيش بانسجام واحترام مع البشرية ، كما أنه يعطيها القدرة على البقاء والصلاح لكل زمان ومكان . إذ تختلف طبائع البشر حسب جذورهم العرقية وظروفهم البيئية وتوافر الشروط المادية ، ولأن الأديان لا تصادم مصالح البشر ، فإن المذاهب تقدم جهداً في سبيل إعادة صياغة المقدس مع الواقع ، وتفسير النص على ضوء المصالح . كما أن الاختلاف وارد في سنن الكون وطبيعة البشر وتركيبة الدنيا ونسيج الحياة ، وهذا ما يفرز مذاهب متعددة تنتمي لها الطوائف عن قناعة ورضا وينبت على هوامشها التعصب لدوافع الانتماء العميق والاحتماء بالكيانات المختلفة التي تمنحهم الشعور بوجودهم وتميزهم وتمنحهم هوية البقاء والحياة . وكل من يصادم الطبيعة المودعة في مكنون الدنيا لأغراض سياسية أو اقتصادية أو حتى دينية متخيلة ، فإنه لابد سيقع في قبضة المغامرة غير المحسوبة وس...

السعوديون يحتفون بالذكرى السابعة لبيعة الملك سلمان

خادم الحرمين رافق مراحل التنمية على مدى 60 عاماً   الاثنين - 3 شهر ربيع الثاني 1443 هـ - 08 نوفمبر 2021 مـ رقم العدد [ 15686] الرياض: عمر البدوي وبندر مسلم يحتفي السعوديون اليوم بالذكرى السابعة لتولي خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز مقاليد الحكم في 23 يناير (كانون الثاني) الموافق (3 ربيع الثاني 1436هــ) ومبايعته ملكاً للبلاد، ورائداً لمرحلة جديدة تخوضها السعودية منذ وصوله قبل ٧ سنوات، كسابع ملوك المملكة بعد إعلان توحيدها عام 1932. الملك سلمان بن عبد العزيز الذي رافق مراحل مفصلية من عمر البلاد، اختبر خلالها المفاصل التاريخية التي آلت بالسعودية إلى ما هي عليه اليوم من تنمية وازدهار، ومن موقعه سابقاً، حيث كان أميراً لمنطقة الرياض لأكثر من خمسة عقود وتسميته أميراً لها عام 1955 وهو في عقده الثاني من العمر، راقب البلاد وهي تنمو. حتى أصبح قائداً للبلاد، وشاهداً على نهضتها الجديدة، في مختلف الجوانب السياسية والاقتصادية والاجتماعية والتنموية والتنظيمية، والأعمال والمشاريع والمبادرات السريعة والمتلاحقة على المستويين التنموي والاجتماعي، والتي أضحت بفضلها السعودية منافساً تلقائي...

«بيت الرشايدة».. «وقف» تحول «أكاديمية» تحتفظ بأسرار جدة

جدة – عمر البدوي   تسجل حارات وأزقة جدة القديمة، التي لا تزال تحتفظ بروحها وعبق تاريخها في الأبنية الشاهقة، وهي تقف في قلب المنطقة التاريخية، شهادة على النواة الأولى التي انبثقت منها واحدة من أهم المدن التجارية في تاريخ المملكة والشرق الأوسط. في حارة الشام، وتحديداً في شارع أبو عنبة، يقف معمار أخضر شامخاً بين أبنية المنطقة، على باب المبنى لوحة نُحتت عليها آية قرآنية، وأرّخت اللوحة في العام 1301 للهجرة. ويُسمى هذا المعمار «بيت الرشايدة»، نسبة إلى بانيه محمد عبدالرشيد، ويتكوّن من أدوار عدة، وأوقفه الرشيد علي العثماني في العام 1333هـ، بيت الرشايدة أو البيت الأخضر من أجمل البيوت التراثية وسط جدة القديمة، ويعود عمره إلى أكثر من 150 سنة. وتعود تسمية البيت إلى قبيلة الرشايدة التي ينتمي إليها بانيه وموقفه، وهي من القبائل المهاجرة من الحجاز وإليه. إلا أن ملكية البيت الآن تعود إلى وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد السعودية. ولأن البيت خلال الستينات الميلادية من القرن الماضي، احتضن نشاطاً أكاديمياً، تحول الآن وبفضل أحد فنّاني جدة إلى «أكاديمية حديثة»، بعدما استأجر...