الجميع يطلب التغيير في هذا الزمن الحديث لأن البشرية بلغت قناعة تقول أن تحسين مستوى معيشتها وتطوير إمكانات حياتها يقف على قرار بالتغيير في العادات أو الأساليب أو الأنظمة وقبل هذا وذاك تغيير جذري وإيجابي للتصورات والقناعات .
بيت القصيد ليس الرغبة في التغيير ، إذ لا يشعر مخلوق بضد ذلك ولا يمانع فيه سيما إذا أدرك حجم الفوائد والعوائد الإيجابية التي سيحققها هذا الفعل التغييري الهام ، إنما الشأن دفع فاتورة التغيير والاستعداد لتكاليفه الباهظة ومتطلباته الشاقة .
والخير كل الخير لمن استعد لذلك وعقد العزم على تحمل مسؤولية التغيير ، لأنه قيمة تتطلب ثمناً باهضاً ونتيجة حقيقية لحزمة سلوكيات التغيير الذي ينتهجها الإنسان .
في رمضان الشهر الأكثر قدسية لدى المسلمين يبدو وكأن الكون يتغير في تضاريسه وملامحه ويستجيب له البشر المسلم في سلوكهم وعاداتهم ، وقد طرى على بعض معاني هذا الشهر الفضيل تحول باتجاه السلوك الرأسمالي الاستهلاكي التجاري ، ولكن بقيت كثيرٌ من معانيه الأصيلة وملامح الفضيلة باقية ما دامت هذه الأمة معقود في نواصيها الخير وفي اجتماعها البركة والفضل .
في رمضان تنساق النفوس والقلوب بروحانية عالية إلى التغيير لتوافر شروط ذلك ، معنويات الإيمان تتدفق ، وروحانية التدين تنفجر بالتقوى ، والاستجابة الجماعية تتنادى للشراكة التعبدية ، في المساجد التي تتحول إلى خلايا عمل ، والأيادي تمتد بالنفقة والصدقة والبر ، والقلوب تطيب خواطرها والنفوس تصفو سريرتها والأذهان تشرق بالصفاء ، والآذان تتطهر من لغواء البغضاء بعد القلوب التي ابيضّت بقطر الإيمان وأثر القرآن .
محروم ذلك الذي حرم من فرصة التغيير في رمضان ، بعُرف الدين والتمدن لا حظ له من قهر النفس لبلوغ المعالي ، لا نصيب مكتوب له في سجله القدري وتاريخه الأثري لولوغ منطقة التحدي الإنساني ، وإن أقدر الناس على التزام التدين أعظمهم نفساً وأهيبهم مقاماً ، وإن من ارتاض في مضمار التعبد كان أليقهم نفساً وأشجعهم قلباً لخوض غمار النجاح والإنجاز وتحصيل مرامي الإنسانية العظيمة .
الذي زهدوا في حظهم من التعبد ورياضة الدين اعتقاداً ضالاً منهم أن في ذلك انتصار للعقل واعترافاً بقوة الطبيعة ، ذلك لأنهم صرفوا بأمر من السماء عن خيراتها ، ومنعوا بحق تعالمهم الضال عن ثمرات الدين ، وما رأوا في الإسلام سوى ملاذ المساكين ومسكن آلام الموجعين ورموا عرض الحائط بكل فضيلته الاجتماعية وترقياته النفسية ودوره الحضاري في حفز القلوب وحث الصدور وشحذ العقول ونماء الأذهان وصفاء الأفكار .
رمضان أعظم فرصة لإعادة وزن العقول ، وترتيب الأوراق ، وقدر السماء وملكوتها وبارئها حق قدرها ، وفهم الأرض وتكوينها وغاية خلقها .
الجمعة ١ / ٩ / ١٤٣٣
تعليقات
إرسال تعليق