مرحبا بكم مجددًا إلى "إثرائيات" حيث تُبسَط للفنّ أشرعة النور والعبور، وتُفتَح للإبداع نوافذ واسعة، تأتلق عبرها المواهب، وتعلو المراتب.
هذا العدد، من الصحراء وإليها، من ذراها الصفراء التي تشعّ في النفس روح التأمل وحرارة الاكتشاف، وتتقد من قيظها شعلة الإبداع وتجلو مرآة الوعي الممتد والمتسع على قدر ما تكون فيه الكثبان مفروشة بلا انتهاء ورحبة بلا امتلاء.
ضيفنا، هو الشاعر والرسام، جامع حسنيي الإبداع وقريني التميز، الأمير بدر بن عبدالمحسن، رساّم الكلمة المعبرة، وشاعر اللوحة المصورة، تجسد لوحاته انعكاساً لعلاقة الأمير البدر بالصحراء، كقيمة ثقافية ووجدانية، وهو نصير أن يكتب ويرسم ويبدع الفنان بأدوات من بيئته ومحلّه، لأنها نقاط قوته ومصدر تألقه وجسره للوصول والنجاح.
ولأنّ العدد عن الصحراء، فلا يمكن أن نتجاوز شاعر البيد محمد الثبيتي، فهو شخصية العدد، والحقل المزهر في كبد الصحراء والروض المعشب في وسط المساحات الغبراء، منذ اشتد عود الكلمات على يديه ونطق شعرًا، ونبذ المألوف، وراود القصيدة ، وشحن اللغة البدويّة بكيمياء الحداثة.
كما يطلّ علينا، الصحفي والقارئ النهم هاشم الجحدلي، يتنازل عن تعلّقه بزرقة البحر وحياد الماء، لصالح صفرة الرمال ووضوح الصحراء، يتأمل في تجربتين كتابيّتين، لرموز مشهورة في السرد العربيّ، كانت لهم ثمة علاقة أثيرة بالصحراء، كلّ منهما بتلويناته الخاصة وطابعة الفريد.
ثم باقة من النوافذ والموضوعات التي تضفي على العدد طابع التنوع والثراء، على منوال ما تعود عليه جمهور "إثرائيّات" من جدّة الموضوعات، وابتكار الزوايا وتعدد الأبواب، ففي محطات نستظلّ بواحات خضراء وموارد ماء في جوف الصحراء، وسواها من أبواب المجلة الغنيّة وزواياها الثريّة، فحيّ هلا بكم.
في هذا العمل للأمير البدر، الذي يحمل اسم "قيلولة"، ويظهر فيها شخص ممدد على البساط الأصفر الناعم، مستسلماً لحفيف الهواء الذي ترسله المساحات الواسعة والمفتوحة نحو تجويف السماء الكبير، ينعم فيها الإنسان بنافذة إلى راحتي البدون الروح.
يطغى اللون الأصفر كانعكاس أصيل للصحراء، فيما تتخلله بقع خضراء، تشير إلى نوافذ الربيع التي تطفئ جمرة الصيف، وتنعش روح الفضاء الأصفر، وتبعث في الهجير نسمات البرد الناعمة، وإلى بعض النباتات الصحراويّة المقاومة والمتطلعة للحياة في قبضة كثبان قاحلة وتحت لهيب شمس قاسية.
في طفولة الأمير البدر كانت الصحراء أدنى له حيث يسكن، يقضي رحلات قصيرة إلى بطن الصحراء، ويجد فيها متسعًا لنظره وفسحة لخياله واتصالًا بهذا المكان المفتوح على مصراعيه، واختزنت ذاكرته التي ما فتئ يجدّدها كلّ مرّة بمواظبته على التردد والمكوث في الصحراء، الكثير من مقتنيات هذا الفضاء الأصفر الرحب، في قيظه وشتائه.
تجسد اللوحة انعكاسًا لعلاقة الأمير البدر بالصحراء، بوصفها قيمة ثقافيّة ووجدانيّة، وهو نصير أن يكتب ويرسم ويبدع الفنان بأدوات من بيئته ومحلّه، لأنها نقاط قوته ومصدر تألقه وجسره للوصول والنجاح.
الفنان الضيف
الأمير البدر.. رسم الشعر ووسم الألوان
الرسم بالنسبة إلى الأمير بدر بن عبدالمحسن هو أقرب شيء إلى الشعر، رغم أنّ صفته شاعرًا طغت على موهبة الظلّ، التي احتفظ بها لنفسه. في الكثير من الأوقات بقي الرسم واحدًا من الفضاءات التي يهرع إليها، ويبثّ في اللوحات مشاعره وأحاسيسه التي تنعكس على الموضوعات والألوان.
يقول الأمير البدر: "اللوحة إذا بدأتها تفتح لك أبوابًا وآفاقًا غير متوقعة، مثلها الشعر، فأجمل ما كتب الشعراء هي القصائد غير المنتهية، ذات الآفاق المفتوحة، فجمال القصيدة هو ثراء الخيارات والنهايات، والأبواب المواربة المنفتحة وغير المتبلورة".
قضى الأمير بدر جملة من أيام شبابه وصباه في مدينة جدّة خلال الستينيّات، وهي بعدُ مدينة بسيطة ومتطلعة، يتذكر فيها أحواش السينما، والشوارع الرئيسيّة المرصوفة، وماكينات الآيسكريم.
كان البحر آية المدينة وعنوانها العريض، والصحراء ليست في قواميس أهلها، بالقياس إلى مناطق ومدنٍ أخرى في المملكة، وكان الأمير البدر يقطع مسافة يسيرة يوميًّا إلى بطن الصحراء في أطراف التجمّع العمرانيّ، الآن بعد توسع المدن وتطرف البنيان، تحتاج إلى قطع مسافة بعيدة للحصول على هدوء الصحراء ونعيم الصمت فيها، كما يقول.
أيام الأمطار كانت الصحراء مربعًا للناس، تشعّ بنباتاتها، وحيواناتها، ورمالها الباردة، وكان موسم الحبحب فيها يشجعه وأترابه إلى التردد هناك، والاستمتاع بقضاء الأوقات.
بساطة الحياة في تلك الأيام، كانت تعني للأمير البدر، شبكة علاقات واهتمامات أقلّ، قبل أن يتشظى الإنسان بتأثير وسائل التواصل والاتصال، ويوزع اهتماماته في أنحاء العالم وزواياه، رغم أن تأثيره سيبقى محدودًا، لكن وسائل الإعلام ومنصات التواصل جهرته بالأحداث، وفرضت عليه إيقاعها السريع، ودفعته لمتابعة قضايا العالم وابتلاءاته.
يقول: "كانت تلك الأيام من أجمل الفترات، جمالها في اكتفاء الناس باهتماماتهم المباشرة في محيطك، لم تكن على تماس مع أحداث في المكسيك أو كمبوديا، أو انهيار الاتحاد السوفيتي، كانت الهموم محدودة، والآن أصبحت متجاوزة ومتعددة، رغم أنّك لا تملك أي تأثير على الأحداث لتهتمّ بها، إنّما أصبح الإنسان مهمومًا بأشياء تتجاوز اختصاصه، وبالذات السوشيال ميديا، وتويتر يشعرك بأنّ العالم كلّه منهار، من كثرة المشاركة، وتركيزك على أحداث تتجاوز محيطك".
لكن بنهاية الستينيّات، فرضت الأحداث السياسيّة نفسها على المجتمع العربيّ، باندلاع المواجهة العربيّة مع إسرائيل، كان الأمير البدر يتابع الأحداث عبر الراديو، وهو صغير لم يبلغ العشرين بعد، ومثلها تابع أحداث الـ ٧٣ في فترات انتقاله للدراسة في مصر، ثم سويسرا، وجاءت عودته إلى السعوديّة بنهاية حرب أكتوبر، بالتزامن مع فترة ازدهار الأغنيّة السعوديّة، وكانت تذاع أغنية الرسائل للفنان محمد عبده التي كتبها الأمير بدر، وكانت هذه الذكريات الثمينة للبدر، تأسيسًا لحالته الشعريّة، والفنيّة، والنجوميّة التي يوشك أن يدلف إليها بحلول أوائل العقد الجديد.
في منتصف الثمانينيّات والتسعينيّات - وهي ذروة نجوميّة الأمير بدر- أقيمت له أمسيات شعريّة في: البحرين، وجدّة، والكويت، وكانت تجربة مهمّة بالنسبة له، يقول "الشعر لا يقبل له شريكًا. بمعنى: من الصعب أن تكون مبدعًا جدًّا بالشعر وعندك مشروع آخر، انطلاق مشروع النجم ومشروع الشاعر معًا في منتهى الخطورة على الشعر والشاعر، ولضبط هذه المسألة قررتُ أن أشنّ حربًا على النجم الذي لا أنفي حاجتي إليه، لكن هذا له تأثير كبير، وبدأت أحنّ إلى الوقت الذي أكتب فيه شعرًا من نوع ما يكتبه بدر بن عبدالمحسن دون أن يعرفه أحد، ما سيبقى هو النصّ الذي تكتبه، لكن مقاومة النجوميّة مسألة في منتهى الصعوبة هي الأخرى".
يضيف الأمير "الطموح والدافع من أهم محركات الإبداع، وتحسين تجربة الفرد، حتى إذا كانت بعض الأحلام بعيدة وشاقة، من صالح الإنسان أن يصرّ على الوصول إليها. توسيع الأفق أمامك بمسافات الطموح، يحرضك على قطع المشوار والمضيّ قدمًا، والذهاب بعيدًا بموهبتك، ومن توقف عن الطموح وطلب المعالي في مشواره الإبداعيّ، فالأولى به أن يتوقف عن الكتابة أو الاستمرار في إنتاج إبداعه".
القصيدة واللوحة تتشابهان إلى حد ما عند الأمير البدر، يقول "وهذا رأي شخصيّ، أنا رسام درجة ثانية، إنّما الرسم تكنيك وأشياء كثيرة، البعض يعتقد أنّ الشخص يجب أن يلتزم بشخصيّة فنيّة معينة، ومحددة الملامح، بحيث إذا نظر إلى لوحة ما يستطيع أن يحدد هي رسمت بيد فلان أو فلان.
أنا شخص أحبّ أن أجرّب، وحدث هذا معي في تجربة ألوان شعريّة مختلفة، بعضها لم يرق حتى لمن أهتمُّ بسماع رأيهم الفنيّ، وهم أقرب الناس في محيطي، لكنّني وصلت إلى حدّ أنّني لست ملزمًا بإعجاب أحد، وأنّ الإعجاب مسألة نسبيّة تتفاوت بين الأفراد، والأذواق، والخلفيّات، وأنا أقول هذا بشأن اللوحات كذلك. أنا أرسم لمجرد الفكرة، لمجاراة شيء يجول في داخلك وتنقله إلى اللوحة، مع وجود فرق كبير بين الرسم والشعر في كثير من النواحي.
الشعر ليس لوحة، الشعر قالب تستطيع أن تنظر إليه من نواحٍ كثيرة، زواياه كثيرة، تنظر إليه من الشمال، فيعطي شكلًا مختلفًا من نظرك إليه من اليمين، وهكذا".
عند كتابة قصيدة بالفصحى تواجه ما يسميه البدر "مأساة الشعر العربي"، وهي ضعف الأجيال الجديدة في اللغة العربيّة، وتنعكس هذه العلاقة علـى فاعلية وانتشار الشعر الفصيح، يقول الأمير البدر "في الشعر أداتك هي اللغة، فيها المفردات والثقافة، وأنا اخترت العاميّة لأن حصيلتي فيها مفتوحة، والحصيلة هي الأداة التي أستخدمها للتواصل مع المعنى ومع المتلقي، ومثلها اللوحة، فالريشة الصغيرة لا تنفع للحائط الكبير مثلًا، أدواتك عند الرسم تحدد المدى الذي ستصل إليه وتتعامل معه في إيصال المعنى واستيعاب الفكرة في داخلك.
والإبداع له سرّه الخاص في الوصول إلى الناس، بأيّ لغة أو لهجة، حتى لو كانت لغة بائدة سيصل، وكلما ركزت في تناولك على موضوعاتك وتجاربك، وعن بيئتك التي تعرفها، أصبحت محليتك هي قنطرتك إلى العالميّة.
والأمر الآخر هو عدم التطرّف الفني سواء لمدرسة شعريّة أو لون من الفنّ، وأنا شخصيًّا أنبذ التطرف بكل أنواعه".
يشير إلى إحدى لوحاته، ويظهر فيها شخص نائم وسط الصحراء، اسمها "قيلولة" تجسّد بساطة أهل الصحراء قديمًا عندما يداهم أحدهم النعاس، فيضع عصاه على نبتة صغيرة أو فرع شجرة ويستغرق بالنوم، مرتاح البال، ومطمئن الخاطر، يقول "هذه اللوحة مثلًا، تبدو عادية جدًّا، رسمتها بدون تمعّن كبير ولا قصة خلفها، احتاجت شقتنا في بيروت إلى لوحات لتشغل فراغ الجدران، وبدأت فيها بكل بساطة".
وفي نصيحته لكل المواهب الشابة، يقول الأمير البدر "عندما تقرأ ديوان شعر، أو تجلس مع فنان يعجبك أو تسمع له وتنظر في إبداعه، احتفظ بمشروعك الخاص، ولا تأخذه من غيرك، اكتب حاجتك أنت، اكتب إحساسك أنت، اكتب معاناتك أنت، وفي نفس الوقت لا تضع النموذج العظيم الذي تعتقد بتفرده سقفًا نهائيًّا لك، وضع في بالك دائمًا أنّه مرحلة ستتجاوزها في يوم من الأيام، وسواء تجاوزته أو لم تفعل، سترتقي تلقائيًّا بمجرد إيمانك بنفسك، ورغبتك في رفض المسافة والسور والحارس".
فوتوغرافيا
روح السعودية.. الطبيعة تتنفس عبر صورة
تعدّ حسابات "روح السعوديّة" على مواقع التواصل الاجتماعيّ، نوافذ إلى الجمهور المحليّ والعالميّ، للتعريف بالوجهات السعوديّة الغنيّة بالجَمال، تنقل من خلال اللقطات الفوتوغرافية ومقاطع الفيديو جوانب من التنوع التضاريسي والجغرافيّ والتراثيّ للمملكة.
بين الشواطئ والجبال والسهول الخضراء، وبين التراث والعمران والإنسان، يتنقل محتوى "روح السعوديّة" لتعكس ما تدخره المملكة للجمهور من جمال وتنوع وثراء في فرص السياحة والاستجمام.
تشارك عدسات المصورين في هذا المعرض المفتوح، لإلقاء الضوء على مناطق واعدة بالسياحة في المملكة، لتعرض مزيجًا من شغفهم ببلادهم وإتقانهم التعامل مع الكاميرا.
الرابط:
https://www.ithra.com/ar/ithraeyat-next-chapter/
تعليقات
إرسال تعليق