هنا أنقل بعضاً من منشوراتي على صفحتي في ( الفيس بوك ) .
راجياً لكم النفع والفائدة .
كلما زاد عمرك ، أصبح أمواتك أكثر من أحيائك .
…………
الحب حالة خاصة ولا يمكن كوننته ، لا أعرف لماذا يصرّ بعض الدعائيين إلى تسويق فكرة أنه يمكن أن تحب كل العالم وأن تتعامل مع كل شيء بالحب ، وأن تبذل الحب في كل شيء ولكل أحد وفي أي وقت وتجاه كل فعل ؟
ما هذا الحب الذي يتكلمون عنه ولا نجده ، يستدعونه في كل موقف ولا يجيب ، هل يفعل الدعائيين الأمر نفسه في كل شؤونهم ومنحنيات حياتهم ؟ قطعاً لا يفعلون ذلك ، فلماذا يكذبون على الخلق .
الحب تجربة شخصية ، شعور لا يهطل بسهولة كما يتصور أدعياء التسامح والصفحات البيضاء والقلوب النظيفة كما يقولون في " دوراتهم " الباردة : تعلم بالحب ، التربية بالحب ، اكذب بالحب ، افعل كل شيء بالحب .
لم يبتلى شيء بالاستخفاف مثل الحب ، الذي روج له الدعائيون وكأنه ميسّر لكل خلق الله ومتاح بين أيديهم مثل هواء يتنفسونه أو ماء يتناولونه أو كذبة يلوكونها .
الحب حالة من التشكل العاطفي ، تختمر في وقت طويل ، لا يمكن استبصاره بسهولة أو استحضاره بتلقائية ، فهو يحيط بالمرء ويأخذ بجماع قلبه دون أن يكون للشخص قدرة على مواجهته أو مدافعته .
هذا الاستنزاف غير العلمي واللأخلاقي لمعنى الحب يصب في تضليل المجتمع والتلاعب بمشاعره ، ثم إن هذه المتاجرة لا تصنع الحب ولا تشيعه في نفوس الخلق .
إنما يرعى الحب هو إطلاق أعنّة الفطرة في المجتمع وصيانتها من حمم المتاجرين ولجام المستشرفين .
.……………
لا تدسّ رأسك !
بمعنى لا تتجاهل هذا العالم من حولك ، الجمال الذي يحيط بك ، الذي يمكن أن تصادفه في طبيعة أو معرفة أو بشر ، لماذا تحرم نفسك أن تعيش الحياة " بعرضها " ؟ ، إذا كانت مسألة " طولها " ليست من اختصاصك .
يخيّل إلي العالم أحياناً مثل قطيع النعام ، هذا إذا كان النعام يتنقل في شكل قطيع ، فمعلوماتي ضعيفة بهذا الخصوص ولا داعي لتحمل عناء البحث في سبيلها .
لكنه تزاوج لفظي مبتكر ، خذ من القطيع مشيته التابعة المتعامية ، ومن النعام استدفانه التجاهلي المتغيب ، وهو حال بعض من يصد نفسه عن الحق والخير ونعمة السعادة بحاجز من هوى وجدار من مناعة التضليل .
" المعتقدات الباطلة والأحكام المسبقة " تمنعك من العيش بهدوء وثقة وطمأنينة ، باطل التصورات يزيف الحقائق فلا تجد بردها وسلامها في قلبك أو نعيمها في حياتك ، فتتنقل في مراتب الزيف وكأنك تحوز الحقيقة وهي السراب عينه .
الأحكام المسبقة مثل أغلال تثقل مشيتك باتجاه حياة نزيهة فاضلة ، تتحكم في سير علاقاتك وتعاطيك الحياة بعد أن حبست نفْسك ونفَسك بقضبانها وسمومها .
تحرر ! والذي راحتي بيده أنك ستعيش متخففاً مثل طائر لم يسكن في جوار بشر .
" الهوى الأعمى " يلون حياتك تبعاً لقتامته ، وبالأحرى يشل بصيرتك ويطفئ بصرك ، وهو دخان عاطفي يخيّم على مشاعرك ويجثم على صدرك فلا تغدو تتنفس إلا هواء منزوعاً من السلام ومسموماً بقرارات مرذولة لا تقيك ولا تنجيك .
الهوى هو عمى روحي ، فإذا كان في رأسك عيناً تبصر بها فإن في الروح بصيرة تقود هداك وتحكم هواك ، وإذا طمست بغشاوة التعصب والمشاعر المؤدلجة ، خبى نورها وذبل دورها .
" الواقع الافتراضي " الذي يشد أصابعك ويحني رقبتك يفعل الأمر نفسه ، وهو يسجنك أو يسكرك ، يغيب فيه حضورك ويذوي بسببه دورك ، فتصبح الحاضر الغائب ، لا حظ لجليسك منك إلا سراب وجودك وبوار موجودك .
" الحصانة المغلّظة " التي تأتي في شكل خصوصية مجتمعية أو فرز طبقي أو مناعة ذاتية كلها تحجزك عن التقدم ، تكبح مشوار تطورك لتعاصر الظروف المتجددة وتزامن الأوقات الحادثة التي إلّم تواكبها لفظتك ومجتك غير آسفة عليك في شيء .
الخوف والتردد وكل الألفاظ التي تصب في وارد الانعزال الوجداني تمنعك من حياة سعيدة وبهيجة ، لا تدس رأسك .
…………………
أنت أكثر ما تحب ؛ من " يؤمن بك " أو " يعترف بك " وأخيراً من " يقبل بك " .
تقريباً ستحصل على حظ طبيعي من " القبول " في حدوده الدنيا ، لطلب المزيد من ذلك عليك بذل جهد مضاعف ، يرفع من درجة حضورك إلى مستوى " الاعتراف " أو " الإيمان " بك وبإمكاناتك .
الخطأ عندما تصرّ على تحصيل هذه المستويات دون بذل ما تستحقه من الجهد والدأب لبلوغها ، لا أحد سيعترف بك ككاتب أو مبدع أو محترف إذا كان رصيدك من الأدوات والإمكانات بسيط ومتواضع .
وربما معدوم ، وتتكلف فوق ذلك سؤال الناس هذا الاستحقاق عبر صور من الاستعراض والتقمّص التي لا ينالك منها إلا المشقة النفسية والتعب البدني ومعهما ذهاب ماء وجهك .
ستحصل على نسخ مزوّرة من الاعتراف ، ولكنها لا تغني في شيء ، وهي مثل إطار يحتبس تصورات وهمية ومختلقة عن نفسك يبتكرها محيطك في سبيل المجاملة ، ما إن تخرج منها أو تواجه اختباراً صعباً حتى تلقى حقيقة واقعك وعريّ ضعفك .
وقد تدمن هذا المحيط المزيّف ، وتظنه صورة مصغرة عن كون كامل يعترف بك ، ولكنه سراب يحسبه الظمآن زمزماً .
الأفضل أن تبتني صورة منطقية عن واقع مكنونك ، تتلمس مناطق قوتك وانفرادك ، وتبحث في مواطن استطاعتك وتأثيرك ، وتعتمد على وسع أثرك وقيمة نفعك ، وستأتي إليك الاعترافات والشهادات على مقاس استحقاقك لا أكثر ، هذا إن كانت هي غاية ما تطلب وتتمنى .
……………………
هل أنت " مهمّ " بالدرجة التي تعتقدها ؟
حسناً تذكر بشكل سريع أسماء الموتى في قوائم العائلة والأصدقاء ، وتخيل كيف كان الواحد منهم يشكل حيزاً من يومياتك وترتيب حياتك ، واليوم أصبح خامل الذكر .
وأنت يومئذ " تنسى كأنك لم تكن " حسب ما قاله محمود درويش ذات عبقرية .
ذلك لأنه " جاء على الإنسان حين من الدهر ، لم يكن شيئاً مذكوراً " كما قال الله عز وجل .
وبين قول الحق ، وقول الصدق ، تكمن الأهمية ، إذ بينهما مسرح حياتك ، فإما مشهد يرسخ في البال ، أو حياة تافهة تطير مثل ريشة تخفّ بها ريح النسيان الهائجة وأعصاير الانشغالات العاتية .
قيمة الحياة في نوعيتها لا في طولها ، لأن " خير الناس من قصر عمره ، وحسن عمله " والضدّ هو النسيان والخسران .
أما الأهمية المستوحاة من اعتصار مؤهلاتك الموهومة ومميزاتك المظنونة فهي " انتفاخ يحكي صولة الأسد " .
……………….
كلما أردت الكتابة في شأن عام ، أو استكناه معنى أغراني منه جدّته أو إشراق طالعه ، تجدني أغرق في النصح ، وأسبح في بحر المواعظ ، موجهاً ومؤدباً وآمراً بالحق ناهياً عن الباطل .
يغلبني عملاق النصح في داخلي ، أتحول دائماً إلى " داعية " يسيطر على المنصة ، ويشد أعنة " المايك " ويجهر بالحق ويأخذ الناس إلى المعروف ويدفعهم دفعاً .
حتى يفلت من يدي زمام المعنى ، وأضل طريق الباحث المحايد ، المستسلم لواقع جهله ، والطامع في نهم الحقيقة وتكشف صورها واستجلاء أبعادها .
لا تنداح الحقيقة للوثوقيين ، وكذا أصبح يوم أندفع بكليتي إلى فسطاط العارفين بالصواب دائماً ، المأخوذين بفكرة أنهم يدركون ما يجهله غيرهم ويحيطون بما كمن ضد مجتمعهم ، ولذا وجب نصحهم وتنبيههم وحضّهم لسلوك الطريق .
الحائزون على الحقيقة اليوم كالقابضون على الفكر ، كلهم سواء ، ينتجون أطروحات مكرورة ترزقك الملل والتثاؤب ، ولاشية فيها إلا العبث .
لا تنجاب المعاني لمن أغلق باب المجاهدة ، وارتاح لبرد اليقين ، واطمأن إلى بيان المعروف واجتلاء المنكر .
وهذا ليس الدور المنوط بكاتب ينشد الحقيقة المتنزهة من الأحكام ، ولا سائل عن المعروف في إطلاقه غير المسقوف برأي أو المنحاز لأيديولوجية مغلقة تعرف أول الطريق ونهايته وختمت على ذلك بأصابعها العشر ، ولا باحث عن مظان الحق ومواطن العدل وكأن في المضمار بقية نفس وفي الحياة معركة لم تنتهي بعد .
لا أريد هذا لنفسي ولا لقلمي .
……………
في مضمار حصتي الرياضية ، يقاسمني رجل أسميه في نفسي " العجوز غير المفيد " .
يتهادى في مشيته ، منكساً رأسه ، واجماً كثير الصمت ، بجسم نحيل ووجه شاحب تملؤه التجاعيد ، تصرّمت سنوات عمره بين يديه ، وذهبت لم تترك فيه إلا بعض آثار الوهن التي أعملت في ملامحه وانحناء ظهره وبياض شعر رأسه .
يحافظ على هذا التقليد اليومي في حياته ، يحاول أن يطرد عبره بعض الملل الذي يغلب عليه الآن ، ولعله يستبقي بعض العافية ليعيش طيباً صحيحاً فيما تبقى من عمره ، وربما يفعل هذا لأنه لا يملك ما يصنعه الآن وقد أصبح خائر القوى ، الزمن لا يقبل به أو لا يحتاج إليه .
عائلته انفضت من حوله ، أبناؤه منغمسون في أعمالهم ، يصلونه ببعض البر ولكن الأمر يتوقف عند ذلك ، أما أحفاده فينتمون إلى مرحلة مختلفة تماماً لا تناسب قدراته على الفهم والمشاركة ، وأصدقاء العمر لم يبقى منهم غير آحاد ، تنهش بعضهم أمراض الباب إلى الآخرة .
حجم إسهامه ضعيف وهذا يشعره بكثير من الحسرة المكظومة ، أو يسرّع عملية استسلامه لأرذل العمر ، وفي أحسن الأحوال سيعيش الرمق الأخير في حياته وهو يتقلب على لظى الشعور بالاستخفاف وقلة الحيلة وضعف الجدوى .
فكرة أن الحياة مرتبطة بقيمة ما تقدمه للآخرين واضحة الآن ، كلما شعرت أن أحداً بحاجة إليك ارتفع تقديرك لنفسك ، يعترضني هنا شعور بالشفقة على بشر غير نافعين رغم كل إمكاناتهم ، هل هم إلا أموات ، يعيشون عن طريق الخطأ ؟
والحقيقة أن صاحبي العجوز لو اعتمد على ذكريات حياته ، فهذا يزيد من جحيمية شعوره بضيم الأيام وجور الليالي ، لأنها ستأخذ عقله إلى حيث لا يستطيع جسده ولا يجود به زمانه ، وبذلك يعيش الشقاء مضاعفاً مرتين .
مع الوقت نشأت صحبة بيننا ، السلام الذي نتبادله تولى مهمة ذلك ، إذا غبت اعتقد في خاطره أنني بشبابي طرت في متعة خارج الحدود أو انشغلت بمشروع للفرح ، وإذا غاب خامرني الشك أنه انحبس ميتاً تحت التراب .
لا يبدو متحمساً للكلام إلى أحد ، متكوماً يجلس إذا تعب من المشي ، وبعينين شاردتين يلتقط ما بلغ إليه بصره الكليل من الشارع ، لا أفكار لديه سوى الانتظار ، وربما الخطو المتمهل باتجاه النهاية المحتومة .
هذا ليس زمن الحكمة ، الصغار لا يتحلقون حوله كما فعل هو مع أجداده الأوائل ، جيل اليوم نهب لعملية التجدد المستمر ، يستعجلون الخروج من قبضة الزمن القديم وأهله ، مهرولين بلا حساب إلى مصارع زمنهم المتفتق عن مستقبل طامع لا يشبع .
حاجاته البسيطة لن تملأ حياته ، لكنها ستصبح أهم ما لديه وترتقي في سلم أولوياته إلى درجة المقدس ، موعده عند الطبيب هو أعظم ما لديه أحياناً ، عادة أن يفطر على شاكلة معينة لا يمكن أن تتغير ، لأنها يوم تتغير يشعر بالتوتر وكأن تهديداً يحيق بموقعه من الحياة ومن نفوس محيطيه .
رفقاً بالفخار ، ارحموا هذه النفوس المسكينة يوم طال بها العمر ودار عليها الزمان وأعرض بجانبه .
……………
ثمة نوع من التسامح لا ينتفع به ، لا يثاب فاعله ولا يرتاح حامله ، وهو خدعة نفسية وحيلة شخصية ، يظن صاحبها أنه أحسن بالعفو ، ولكنه في الواقع يكذب على نفسه أولاً ثم على غيره .
هو " العفو المقضوم " إن صحّت التسمية ، كأن يقول أحد عن آخر ظلمه أو ضايقه " الله يسامحه وينتقم منه " ، وهو لفظ متناقض لا يستقيم معنى ولا مبنى .
للمسامحة أثر وجداني عظيم ، وهو شعور بالارتياح يؤثر في فاعليتك الاجتماعية ويرفع عنك أحمالاً نفسية وأثقالاً عاطفية كبيرة ، وكأنه يسمح للمشاعر السلبية أن تغادرك ويفسح لتلك المبهجة أن تحلّ محلّها .
في ظل العفو المقضوم لا يتحقق شيء من ذلك ، بل تنمو المشاعر السلبية داخلك بشكل جحيمي ، ولأنك تقمعها بإظهار العفو وإبطان النقمة ، تكون أشد ضرراً وأقسى أثراً .
والعفو المقضوم يحدث عند العجز عن الانتقام ، فمثلما يكون " العفو عند المقدرة " فضيلة مركبة ، فإن " المسامحة بسبب العجز " نقيصة مؤجلة وألم مضاعف .
لا تتلمظ العفو إلا أصدقه .
……….
العقل واللغة طيّعتان عند الحديث إلى مناظرك العامي أو النخبوي ، وهذا يساعد في فهم طريقة عملهما .
في الحديث مع العامي تضطر أن تغلق مناطق العقل الأكثر جدلاً واستقلالاً ، كما توظف لغة بسيطة سطحية ، تساعدك أو ترغمك على الاتفاق معه في القضايا الاجتماعية التي يكون العامي أكثر اختصاصاً بها واحتكاراً لها من واقع أنها منطقة اشتغاله الرئيسية .
ولذا يمكن أن تجد رجلاً حاذقاً ومبتلى بنفس الأمراض الاجتماعية من جهة الأحكام والتصورات السائدة ، لأن حديثه مع العامي يجري في مساحة المشتركات الاجتماعية ، ولإمضاء الحديث يضطر إلى مسالمته وموافقته المستمرة ، ذلك لأنه في جلسة حديث عفوي وليس مضطراً لتصحيح المفاهيم وتقويم التعاليم سداً للتكلف والعنت .
ولكن ضرر هذا يتجلى في تعزيز هذه التصورات على انحرافها ، سيما إذا بلغ طوفان سيطرة العامي على الأحكام الاجتماعية إنتاجاً وإشاعة فوق زبى العقل الحاذق فتطمره وتعطل إمكاناته ، وتصبح تلك الأحكام من السائد المقدس الذي لا يناقش .
خذ مثلاً مسألة " الغيبة " التي تسيطر على نسبة عالية من حجم الحديث الاجتماعي بفضل دور العقل العامي في توزيع حصص الكلام ، وقلّ ما تجد من يقف في وجهها لأنه بذلك يخاصم كبرياء العامية من ورائها .
كما أن المعايير الموظفة في جرح وتعديل المغتابين رهن بتفضيلات ومكروهات العقل العامي الذي يميل إلى عاطفته وحساب المكاسب الاجتماعية دون دور لمنطق أو مبادئ موضوعية تكون ميزاناً للأحكام .
الأمر يزيد سوءاً باتجاه السياسة ودور الدولة عندما يسيطر العقل العامي في تلوين الثقافة بصبغته غير الهاضمة للشروط الوظيفية المعاصرة ، مما يخلق تناقضاً وقلقاً كبيراً لدى المجتمع .
وفي الدعوة والقضاء يشكل العقل العامي حضوراً لا يستهان به ، يحتاج معه إلى جهد ضخم لتفكيك هذا الارتباط التاريخي والتراثي العميق لا يحتمله المقام ، واستبصار ما تنطوي عليه من مفاسد ومقاصد .
" داعش " يمكن أن تتصل أحياناً بالعقل العامي عبر إنتاج نسخة شعبوية للدين تساعد في تجنيد الأفراد لإنفاذ أيديلوجيتها ومشروعها السياسي الذي تسكنه الخواطر والهواجس أكثر من أي أساس علمي ينفخ في روح المستقبل .
ولذا يمكن أن تجد طبيباً أو مهندساً يقتل " ابن عمه " لإثبات ولائه للتنظيم ، ومسألة " قتل ابن عمه " تثيرني أكثر من كونه طبيباً ، لأن العقل العامي يسجل حضوره في هذا الجانب أكثر من غيره .
إن العقل العامي كامن بقوة في خلفية كثير من أفكارنا ويحتل جملة واسعة من نظامنا الاجتماعي والثقافي ، يلزم معه المواجهة وربما المخاطرة !
……………
مرحباً .. أنا صديقك أحمد دوابشة ، هل تتذكرين ؟
وعن آخر مرة لعبنا فيها مع بعضنا ، لقد عدت إليكم من جديد .
عدت إلى منزلنا بعد رحلة طويلة من العلاج أمضيتها بين الحياة والموت ، بعد إحراق مجموعة من المستوطنين الإسرائيليين منزلنا ، لقد فقدت والداي وأخي الصغير، لكنني ما زلت أملك أصدقاء مثلك .
أعتذر لك عن الغياب الذي كان خارج إرادتي ورغبتي ، لقد أخذني مجموعة أغراب في طلب العلاج ، وفي الطريق إلى ذلك زرت بلداناً عدة ، والتقطت صوراً لا يمكن إحصاؤها ، أصبحت حديث الإعلام ، لا شك أنك صادفتين صورتي في كل مكان ، هل أعجبك ذلك ، وجالست مشاهير الكرة والسياسة والإعلام ، لقد وعدوني بحل مشكلة بلادي .
ولذا أنا هنا بينكم وبانتظار الحل ، آمل أن يكون كلامهم صادقاً ، لا أعتقد أن أحداً يكذب في هذا العالم .
ولا أعتقد أنهم يبذلون الوعود ويظهرون الشفقة من أجل تطييب خاطري فقط ، أو يستغلون قصتي للتظاهر بإنسانيتهم .
بالمناسبة .. إنني أتعالج في المستشفيات الاسرائيلية ، ألا يبدو هذا العالم مربكاً ، لعله أعقد مما تطيقه قلوبنا البريئة .
كان العالم كله يحدق إليّ وكأنني كائن غريب ، لم يذكر أحد أن قتلة أهلي سينالهم غضن يمكّن أهل الحق من نوله ، فقط أنا ، هل يخبئون شيئاً وراء قصتي .
اعتذر لك ولبقية أصدقائنا إذا كانت الحروق تسبب لأحدكم إزعاجاً ، إنه شيء فوق إرادتي ، لقد ألقى المستوطنون الزجاجات الحارقة ونحن نيام .
كل أطفال العالم يستيقظون في صباحاتهم وأمهاتهم يهدهدون عليهم ، وآباؤهم يستعدون للعمل ، تخيلي كيف ينام طفل في حضن أمه ، ويستيقظ صباح اليوم التالي بدون أم ولا أب ولا حتى أخوه الصغير ، لم يتركوه يقاسمه بقية العمر .
ليس مهم الآن .. لقد اشتقت إليكم ، مللت من زحام الناس ، أحتاج طفولتي ، وأن ألعب معك ومثل كل أطفال الدنيا ، لا أحد يعرفهم ، منهمكون في ألعابهم وشقاوتهم ، لماذا علينا ألا نعيش طفولتنا كما ينبغي ، لماذا ؟
…………….
إذا زارك شعور إيجابي ، بثّه ، عبّر عنه .
مثل أن يخالجك الحب ذات مرة ، لا تسرّه ، وصرح به لصاحبه .
هذا يساعده على النمو ، يضاعف أسبابه ، تبدأ عملية تكاثر مشاعري ، أو تكاثف شعوري ، وتتماسك أبعاضه وجزيئاته المتناثرة في هواء التردد وفضاء التريث .
أن تصرح بمشاعر الحب ، كأن تطرق باب القلب ، في داخله ثمة منتظر ، ربما أطل ليستيقن ظلال شخص قادم ، ويتلصص صوت خطو يتهادى إليه ، التصريح الأول هو قرع اليقين ، مد يديك بالكلام ، لا تحجم .
لو أنك قلت بالحب في أوله ، زاد جريانه في منهله ، وسقى بذرة أمله .
لا تتردد ، إذا زاد احتباسه ، انحسم انبجاسه .
………………
الوعود طبق سياسي بامتياز !
لا يقدم سياسي على صعود منصة أو تسلم مسؤولية ، قبل أن يطرح سلته الزاخرة والفاخرة من الأماني ، أصدقت أم كانت ضرباً من الخيال ، هي الوعود ذاتها أفيون المستقبل بين يدي كل سياسي ، إلا دولاً حكمت بنظام ديكتاتوري فجّ ومتغلب متبجح ، وكأن السلطة هبة اختصته من السماء ، أو نبوغ ورثه من أسلافه .
هذا يحدث في بلدان الديمقراطية وأضدادها على حد سواء ، الرئيس الأمريكي أوباما قدم سلته من الوعود على طبق من ذهب ولسان من فضة ، ولم تصمد قيد جولة واحدة ، إذ تكسرت على صخرة الواقع وطارت في غيابة الأوهام .
السياسي مثل الخاطب في أول عهده ، ينسج لمستقبله سجادة من الأحلام تكاد تغطي السماء ، قبل أن تنحل خيوطها وترتخي قيودها ، وإن عاشت لعمر فهو أقصر من " شهر عسل " غارق في الأماني قبل أن تبدده رياح الواقع .
الوعود هي عتبة كل السياسيين ، أو شرفة يطل منها ويتعرف القائد والمقود على بعضهما عبر تخاطر مثالي ، يغنون أنشودتهم الآدمية للمستقبل ، بكلمات منحازة للأماني ، راقصة على وقع الأحلام ، أو وتر الأوهام ربما ، علّها تصدق .
في " دول المحاسبة والمشاركة " يمكن لتلك الوعود أن تصبح مقياساً وفرصة للحكم على التجربة ، ومؤثراً وازناً في حسابات الاختيار فيما بعد وعلى مقصلة الدورة التالية ، غير أن مصيرها في " دول الثابت السياسي " لا يشجع ، إذ تنضاف أحياناً إلى رصيد الإحباط ، وكرة لهب الانزعاج .
في " دول الثابت السياسي " تأخذ الوعود شكلاً أكثر عاطفية ، وتحمّل فوق ما تطيق من شحن دلالي ، إذ تغري بفرصة لكسر الرتابة وتجدد الواقع والخروج من قبضة ملل توزيع الأدوار ، ولذا فإنها تصبح عرضة لتحمل أعباء ثقافية واجتماعية رغبوية أبعد مما يستوعبه سياقها الاقتصادي البحت .
تشعر بالشفقة أكثر ، عندما تلمس تنافس الضرّات ، وتلاهث التيارات على الحصول على أكبر قدر من حصة الظهور وكأنه الوصيّ على المرحلة ، والمقصود بناصية المشروع ، وذلك نتيجة طبيعية لحيز التحرك الضيق .
التخطيط مطلوب ، والفأل حسن في كل حالاته ، وهو يصلح أن يكون محركاً وباعثاً على العمل ، وفرصة لاستثماره في تقليل حجم الفجوة ، وتسريب معطيات حضارية متقدمة لتشاطر المسؤوليات ، سيما إذا كانت الوعود تصب في ناحية تقاسم الأعباء الاقتصادية ، فإنها تسهم في موضعة أجنحة الواقع عبر استدخال قطاعات شعبية وأهلية كانت مغيبة بفعل الاستغناء ، وأصبحت أقرب من أي وقت آخر بفضل الاحتياج وتوسيع أو تنويع مصادر الدخل القومي .
في " دول الثابت السياسي " لا تصلح الوعود أن تكون ميثاق علاقة أكثر من " شرعية الإنجاز " التي جرّبت وأثبتت جدواها كعامل استقرار وتنمية ، تحركها مشاعر استجابة ربما تكون متثاقلة ، لكنها مجدية وآمنة إلى حد ما ، وربما بعيد ومقنع .
………………
سينمو ما تركز عليه .
أياً كانت دائره اهتمامك أو أداتك ، فإن الوقت عادل في نتائجه .
العدل يعني أحياناً أن ينمو الحقد لدرجة تمكنه من ابتلاعك إذا ركزت على الانتقام ، ويوم تركز على المعاني الجميلة ستثمر حياة طيبة هانئة رغدة .
مهاراتك التي تعتقد بنبوغك فيها ، يوم تركز على صقلها وإنمائها ، ستصبح فذاً وعلماً في مجالها ، وكذلك لو حدث أن اخترت أداة ليست في إطار إمكاناتك ، فإنك تسفك الوقت في غير محله وبلا طائل .
السؤال : ماذا لو كنت تركز في المكان الخطأ ! لا شك أنه استثمار خطر ومضيعة للوقت والجهد والطاقة ، وتحصيل خائب لما أزهقت عليه دقائق عمرك الثمين وصرفت فيه جملة حياتك .
الجواب : ليس كم من الوقت ، ولكن أين ستبذله وكيف !
………………
لا أعتقد في إكراه المراهق على الصلاة أمر مفيد ، وقد تورثه كراهية الفعل لأنه يرتبط بالقهر والعنت ، وهو ما لا يستقيم مع روح الصلاة ولا يستحسن عند حضورها ، وقد يشكو النفور منها كل عمره ، لأنه أكره إليها عند مراهقته ، عندما بدأ للتو يتحسس حريته وزمام أمره واستقلال قراره .
المراهقة معاناة لمن يتفق مع قولنا ، والصلاة قد تكون مسعفاً من أوهام المراهقة وهو ما يفسر أحياناً حالة التدين العارضة على بعض الشباب .
وقد تكون الصلاة أولى قرارات الانفصال عن سيطرة الأكبر ، فإذا ما أكره عليها وقسر إليها ، ربما انطبعت لديه صورة وجدانية وذهنية غير مناسبة .
التوفيق من الله ، وهذا صحيح إلى حد بعيد ، ولكن التوفيق نتيجة المجاهدة ، وهذا نهاية العدل منزوعاً من الاستثناءات التي نستدعيها من محض اعتذاراتنا .
ولذا فإن تبصير المراهق بمعنى المجاهدة أفضل من أطره على الصلاة وكأنها الواجب ودونه العذاب أو العقاب .
للصلاة معاني وفتوحات لا تتحقق بالإكراه ، وإذا ما تعلم المراهق وعرف أنها ملاذه وعافيته ونوره عبر القدوة الصالحة التي يدوم أثرها ويفوح عطرها ، فإنه سيغدو ملاصقاً لها وراغباً بها .
………………
ثمة مراهقين تنقصهم " أبعاد الحياة " ، بمعنى أنهم يغالون في جانب منها أو يتوقفون عنده وكأنه حافة الواقع وسفح الحقيقة المعاشة .
وهذا خلل في " تربية الوعي " لأنها الوسيلة الفضلى لتمكين الفرد من أدوات مواجهة الحياة وخوضها بنجاعة واقتدار .
الحياة لا تستقيم سوى بمعانيها المنتظمة ، وإذا غاب عن الوعي جانب من معانيها ارتبك الفرد وتورط في غيابة التيه وسديم الضياع .
الموت والمرض والنجاح والمال وسوى ذلك كلها أبعاد تنطبع منذ نعومة الذهن ، فتشبع مفاصله ، وكلما اتسع الذهن استوعب المزيد منها ، حتى يلم أطراف الحكمة ويضم جوانب العلم .
مواقف الحياة هي دروس مفتوحة لإنضاج الوعي ، صفحات من حقيقة الدنيا وغور الواقع ، يتتلمذ بين يديها الوعي إذا أبصر فيها العلل وتفحص المفاهيم والدلائل .
يحدث أن يركب وعي سطحي في جسد ضخم ، فيكون دليله إلى السفه وقائده إلى الخطل ، ويتكرر أن يرزق الصغير حصافة ونباهة لم يؤتاها غيره ، ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيراً كثيراً .
تعود الناس على تربية لا تتعدى تقويم السلوك وسرد النصائح لضبط طبائع أبنائهم ، وهو حد الضرورة من تقاليد العيش وطرائق التعامل مع متطلبات الحياة وضروراتها ، وهو يحدث مع البهائم كما البشر .
غير أن الوعي هو سبيل الفرد لمواصلة السير ناجياً من اللأواء وحائزاً على الفضائل ، ولتربيته أثر بلا أجل ، وتطويره للحصول على أكثر نسخه رقياً وأدواره فاعلية هو الحياة الحقيقية بكل أبعادها المفعلة والمعطلة .
لا يمدح إنسان بمثل " صاحب وعي " ، ولا يعول على أحد مثله ، ولا ينتظره إلا منه .
………………
صديقي " العرّاب الأناني " .. جحيم التناقض الذي يضطرم داخلك يلقي بشرره على ملامحك وحمم كلماتك التي تتصنعها .
أن تتبنى موهبة ما يعني أن تسقيها بماء خبرتك ، وتسعفها بماطر إمكاناتك ، لا أن تجعل الباب موارباً إن دنى أقفلته ، وإن نجع أهملته .
الشراكة لا تساوي الاقتسام ، الشراكة عطاء متبادل أقرب للإيثار ، والاقتسام محاصصة متحفزة للالتهام ، وبينهما خليط من الغيرة والحسد أو المنافسة الشريفة وحب الخير لغيرك كما تحبه لنفسك .
أن تتأبط موهوباً لتكبح انطلاقته ، وترعى مستقبله على عينك ، فهذا حسد يودي بصاحبه ويسبق إليه عن سواه ، وأن تتقدم عليه بمحض سبقك لتدل بمعروفك عليه ، فهو سؤال الإمامة بغير حقها .
مدينتك الفاضلة لا تقوم قائمتها إذا زاحمت كل ناجح بقصد أن يكون لك نصيب منه ، شمسك لن تشرق على كل أحد ، ظلك لن يحتمي تحته كل خلق الله ، فهوّن عليك .
………………
إذا كان دخول شهر رمضان لم يغير فيك شيئاً ، ولم يزحزح داخلك طبعاً ، أو يضفي لديك أثراً فهذا مؤشر لا يبشر ، وعلامة تستحق التوقف عندها .
إذا كنت تنتظر في هذا النص موعظة دينية فأنت مخطئ ، يبدو وكأنك سمعت منها الكثير ، إلى الدرجة التي جعلتك متشبعاً ولا تبالي بها كثيراً ، النقاش هنا حول " الاستجابة الواعية " لديك ، وقياس مدى فاعلية جهاز الإدراك الاجتماعي وحساسية الشعور بمحيطك ونبض الحياة الحقيقية داخلك .
لأن استجابتك التي تأتي لمجرد التقليد ، والفعل الذي تقوم به نتيجة تأثير اللاوعي لديك ، والصوم والصلاة والتلاوة التي تتعبد بها لأن الناس تشترك فيها دفعة واحدة ، فهذا أبسط معاني رمضان وأكثرها سطحية ، وأخشى أنها مشقة في غير منفعة .
ولعلك رأيت أفراداً لم يغير دخول الشهر عليهم أي شيء سوى مظاهره ، وربما لمست أبعد من هذا في صور الاستخفاف والإمعان في عاداتهم التي لم تنقطع بحلول شهر أو زواله ، وهو أمر يتجاوز في بعض الحالات مسألة المعصية وضعف الإنسان إلى مرحلة من التبلد وموت الضمير وخمول الإحساس وهو المقصود بكلامي هنا والأشد خطورة .
ولأنني أحب اتهام " التقنية " كثيراً ، فإنني أجدد استدعاءها هنا لتنال نصيبها من المسؤولية ، إذ ساهمت في تبسيط المعاني الأثيرة والكبيرة للشهر إلى أكثر أشكالها استهلاكية وصورية ، إلى جانب سواه من الإغراق التلفزيوني والسفه البرامجي .
التقنية وإن كانت أعملت على تجريد معاني الشهر وتعرية النفوس من دوافعها ، غير أنها تنقل جانباً من واقع الناس ، ممن يشعرون وكأن " رمضان " حسم انسياب حياتهم الرتيبة ، وجثم على صدور متعهم التي لا تنقضي ، وهم يدافعونه وينصرفون عنه حتى يحين موعد انقضائه وتثوب الحياة إلى سابق عهدها ، ولا ينغصهم داعي الجد والعمل .
الحديث المعقود هنا ، إنما لأشخاص بلغ بهم الموات حداً لا يطاق ، لا تنشط نفوسهم إلى مسابقة الخيرات ولا تخف أرواحهم إلى نمط حياة جادة يتحملون فيها المسؤوليات العظيمة ويتناولون المعاني الجسيمة .
يغرق في نومه دون حساب ، ويضيع وقته بلا ضابط ، ويتجاهل الواجبات ويمعن في التقصير ، وهو في كل أحواله يقضي الحياة سبهللاً وكأنه خلق بلا معنى .
الحياة صممت للأحياء ، وجعلت فيها مواسم لتمكين الناس من استعادة الحياة بعد رقودها ، وهي فرص مشرعة وأسباب موصولة بالمعاني الفاضلة .
أما إذا كان تفريطك وتفويتك الخير من باب أن النفس تأبلست ولبّست عليك أنه مجرد موسم تقليدي ولا تروق نفسك لتكاليفه التي لا تدرك قيمتها ، فإن للشهر معاني متحضرة أقلها توطين النفس على الجلد والجد والحياة الراشدة .
تستفزك الأرواح المتصنمة ، دون أن يداخلك الشعور بالرضا والعجب واعتقاد أفضليتك ، إنما في طريق مجاهدتك تعترضك في وحشته الأرواح الذابلة وهي تقتعد رصيف الحياة الضامرة ، لا يغيرها موسم ولا يحيها هدف ، عوذاً بالله من شر الحياة على وشك الموت .
………………
كلما زاد عمر الإنسان ، يصبح أكثر " أنانية " .
يقل المشاركون من حوله وينسحبون من محيطه وقد تجهّم لهم أو انحسر عنهم حدّ الغياب ، ويبدأ في معايشة الأشياء ومناولتها منفرداً تماماً ، وكأنه يجهز حقائبه للرحيل .
سواء كان ذلك بسبب ضعف شهيته لبناء علاقات جديدة ، أو هو نتيجة طبيعية لزيادة العمر وقلة الحماس وانصراف الهم لتوفير ضرورات المعيشة ، فإنه بكل الأحوال يصبح متحفظاً أكثر من أي وقت مضى .
كبار السن في قياس علم النفس يتمحورون حول ذواتهم ، يتكومون على مقتنياتهم وعلاقاتهم وعاداتهم وكأنها جزء من كيانهم الصغير الذي بدأ يتآكل ويتلاشى ، وبهوس تحفظهم يعتقدون أنهم يستبقون منه أقصى ما يمكن استبقاؤه .
في المقابل عجّلت حمى التقنية الجديدة بهذه الحالة حتى عند صغار السن والشباب ، جعلتهم أكثر انطواءاً وأقل تشاركية ، وأصبحت الأنانية طبعاً مضمراً في سلوك الأفراد .
تسربت هذه الطبائع إلى حياة الناس وشخصياتهم بدون انتباه ، أضعف ذلك من قدرتهم على النضج والبناء الشخصي القويم الذي يتطلب أكبر قدر من الخلطة والمعافسة ، يحيق بهم الفراغ وقلة المهارة وتواضع الإحساس بمتع الحياة وتحدياتها .
وبالعودة إلى الشعور بالمحدودية مع زيادة العمر ، فإن الأسرة هي أفضل امتداد طبيعي قد يعيشه الإنسان وله يبذل تركيزه ووقته وتضحياته ، فضلاً عن الأهداف النبيلة والمشاريع الأصيلة التي تزهق لها الأوقات وتطيب معها الحياة وبمستطاعها أن تفك أغلال " المحدودية " عن الفرد .
في العمر تحديات تتعرى عند زيادة السن ، وربما أصبحت فيه المتعة أقل كماً ولكنها أعمق كيفاً ، وإذا وطّنت النفس على موازنة واجبات الحياة مع حقوقها ، انعكس ذلك على عيشة طيبة رغيدة .
من السيء أن تبتلعك " ضرورات المعيشة " التي تعمل مثل مثلث برمودي يطوي تحته كل الشباب الذي كان يتقد بالإيجابية ويتألق بحضور اجتماعي مؤثر فخبت جذوته ، فتلك الضرورات ليست كل شيء بمقياس الدنيا والآخرة ، وهي أحياناً مجرد استنزاف لا طائل منه ، يزيد الأمر سخافة عندما تتذكر أن الأرزاق مقسومة ، فلا ينالك منها أكثر من المكتوب مع ضياع حقك من السعة والمتعة وراحة البال .
…………………
كانت ليلة عاصفة في تركيا ، وكعادة السعوديين ينشغلون بالحراكات المحيطة ويشبعونها بالنقاش والجدل ، وربما انتهت الدوامة في الخارج ولم تهدأ حمم النقاش في الداخل وكأننا في فضائية لا يتوقف بثها .
وبنهاية الأمر لا يتعدى نقاشنا أحاديث المتفرجين الذين تشرئب أعناقهم لكل حادث يثير نقاشاً لا يهدأ ، والارتباط بالأحداث خارج الحدود طبيعي في ظل تسييس الوعي الشعبي مع تواضع نشاطاته مما يدفعه لاستقطاب الأحداث التي لا تعنيه ولا تنعكس عليه مباشرة بقصد صرف الطاقة فيها وسد جوع التيارات إليها .
وتسييس الوعي ناتج عن عقود من ضخ المعارك الوهمية في المخيلة الشعبية عبر ساحات الهوية والمؤامرة ومستقبل الدين وسوى ذلك من المفاهيم التي استدخلتها التيارات المزعومة في فضاء النقاش المحلي ، ولمحاولة القبض عليها تضطر النقاشات أن ترتحل إلى خارج الحدود واستثمار التحاماتها السياسية لمداولتها ونقاشها والتنفيس عن احتقاناتها غير المبررة ، فقط لأنها ولدت في ذهن مأزوم مفارق للواقع ولا ينطبق مع التحديات المحلية الفعلية .
وهذا ما يدفع النقاش أحياناً إلى غير ميادينه ، ويبلغ التعاطف الأعمى أو العداء غير المبرر درجات جنونية لا يكاد يفهمها المحايد ، يبدأ الانحراف عند إقحام الشرعيات في غير مظانها وتنتهي بمحاولات استعداء السلطات والتضييق على الأفراد ، فقط لأن معارك الخارج تضيف إلى الرصيد الشعبي لهذا وتخصم من ذاك .
الحرية المنضبطة والمشروع الوطني التشاركي تنهي هذه الورطة ، وتضع كواكب النخب ونجوم العوام في أفلاكها حيث تسير وتصب في الصالح العام دون حاجة إلى المبالغة في تقحم الفضاءات خارج الحدود ، سوى ما يكون نقاشاً معتدلاً لا يتجاوز صورته الطبيعية والمتزنة .
………………
يكتب بعضهم أن تشجير الشوارع وفتح معاهد الموسيقى وخشبات المسارح والسينما وسوى ذلك من فرص ترطيب الحياة وترغيد العيش يمكن أن تحل مشكلة " الإرهاب " ، أو على الأقل ستخفف من حدة " التشدد " وقدرة الخطاب " المتطرف " على استقطاب الشباب وتوظيفهم لأجندته التدميرية والدموية .
أقول وبأقل قدر من الحالة الصحوية التي تربطني بها علاقة اجتماعية أكثر منها فكرية ، أنه مقترح سطحي تماماً وحل عبثي لا يقل عن سذاجة سواه من تلك المطروحة لمعالجة طرف من المسألة دون مناولة تعقيداتها العميقة .
انضم إلى داعش مثلاً آلاف من شباب تونس التي عاشت العلمانية في أقسى صورها ، ومن الجيل الثالث لمسلمي أوروبا وهم أبناء أصلاء لبيئة الترف الفني والثقافي ، وانضم إليها بعض مغني الراب والهيب هوب ، ولم يمنع ذلك أحداً عن رفض داعش وثقافتها المتوحشة وربما كانوا لبنتها وأصل مادتها بلا منازع .
الإرهاب خليط من الأسباب السياسية والثقافية والدينية ، الإرهاب وحج الشباب إليه هو ابن بيئة متداخلة من الورطات الواقعية وقصور يشترك فيه قائمة طويلة من المسؤولين ، وكون المسرح والموسيقى يمكن أن تمنع متشدداً عن قتل نفسه وذويه ، أو غيابهما يدفع آخر إلى التمنطق بحزامه الناسف ليفجره في جماعة من الناس لا يعرفهم حتى ، فهو مقترح اعتباطي تماماً .
للإرهاب حالتان ، واحدة عامة وأخرى فردية ، العامة هي المتصلة باختلال يعانيه العالم في قيمه الحاكمة والثقافة الغالبة التي تتعامل بموازين متفاوتة يكون الضعيف فيها مغلوباً والعاجز مسلوباً ، بينما يزيد القوي في غطرسته وذو البأس في سلطانه .
هذا الاختلال الكبير في النظام العالمي يخلق ثغرات تتسرب من خلالها المظلمات الصغيرة التي احتقنت وترمدت حتى ألهبها الغضب والشعور بالضيم المركب من ظلم القريب وازدواجية الغريب ، وبإزاء ذلك ينمو الحقد الأعمى وقد طمست بصيرته الخسارات المتتابعة دون حساب حتى أكفرته وعرت بقايا اتزانه وإنسانيته فبدأ بنفسه وأهل بيئته ويته ، ولا يكف ليشفي غليله ويروي نقمته وضمأه .
هذا الاختلال العالمي تسبب في مظالم شتى على المسلمين وسواهم ، وهو ما يفسر انتقال فرد إلى دين الإسلام ثم يتحول مباشرة إلى جندي للخلافة المزعومة ، في مسافة زمنية غير كافية للاقتناع ، ذلك لأن شعوره بانحياز النظام العالمي خلق له الاستعداد والأرضية للانضواء تحت الحل الداعشي كمخلص لشعوره بالضيم ونافذة متوهمة للحل .
ولأن المسلمين مشدودون بعاطفة قوية إلى تاريخهم المؤثر في خارطة العالم ، كان شعورهم بالضيم أكبر ولذا أصبح النشاط المتطرف لمن يدعي إسلامه أظهر وأكبر .
" الحركية " بديلاً عن الانتظار هي ذلك الوادي السحيق الذي ابتلع منظري الستينات والسبعينات ، حالة من تسطيح المشكل العربي ومعالجة الواقع الإسلامي مضافاً إليه عنجهية في تناول حتمية دور الدين في مسألة النهوض دون مراعاة الظروف الموضوعية للزمان ، وأمام سد الباب السياسي عن أي فرصة للتمكين وتمحيص الخيار الإسلاموي انفجر في وجه الجميع بعد حقنه بالمثالية المفرطة وقدرته الخيالية على حلحلة الانسداد التاريخي للأمة المتوقفة أمام سرداب المنقذ والمخلص والمهدي الذي لم يكتب له الخروج بعد .
" داعش " مجرد تتويج لكائن ذي خلفية إسلامية ، منذ اقتنع قطاع من المنظرين وأدواتهم من الشباب المتحمس أن " الجهاد " بصفته المستباحة هو دواء علل العالم وأحوال المسلمين ، أغراهم الانتصار على السوفيات في أفغانستان ، رغم أنه انتصار جزئي تحملت أعباءه الدول الكبرى التي وقفت في خلفية المشهد ، ولكن الانتصار خدّاع ، واستمر تبلور هذه الحالة الجهادية المشوّهة كسبيل للخلاص واستقر به الحال إلى " داعش " بتوحشها المفرط وعنجهيتها .
القوة هي المنطق في عرف داعش وسلوكها ، أو هو ذلك الدرس المستفاد من رحلة تشكل الحالة وعقيدتها المستقرة ، وهو أقصى ما يبلغه المتشدد اليائس بعد أن خلت جعبته من إمكانات العقل والرشد ، وأظنني سأجزم أن نهاية الأشياء تبدأ عندما تأكل بعضها ، فليس بعد القوة العمياء منطقاً إلا الموت .
والإرهاب في حالته الفردية هي التي تفسر انضمام مراهق إلى منظومة متشددة يبذل في سبيلها غالي الروح من نفسه وأمه وأبيه ، وربما انقلب بين عشية وضحاها من عربيد إلى جندي مخلص لراية معتمة في ظلماء التطرف .
وهو ضحية الوعي الزائف ، وربما كان طبيباً أو مهندساً في درجته العلمية ، ولكنه مستسلم من جهة وعيه لرواية سياسية سطحية تقدمها داعش لاستنهاض واقعه ، وهو أمام تهافت ذلك الواقع يملك قائمة من الحلول منها المدنية الهادئة بطبيعتها السلمية والارتقائية ، وتلك المتطرفة المعتدة بدوافعها وغاياتها ولو تطلب ذلك التضحية بالروح في سبيلها ، وبينهما الرضى المعجون بعذابات الصمت المتأجج بالأسى والغيظ .
يواجه في واقعه خيارات مسدودة ، وحالة سياسية محبطة ، ومستوى اجتماعياً هابطاً لا يرقى إلى حجم طموحاته التي رضعها من وحي التأثير التاريخي الذي تربى عليه عن أمته ودينه ، فضلاً عن انغلاق السبل للتغيير ووسائل التأثير ، وأمام ذلك كله أصبح نهباً للانفجار عبر أيقونة داعش المتحفزة لالتهامه وهضمه في أيديولوجيتها الجائعة للأنصار والمهاجرين .
في ضوء كل هذا المحيط من الإحباط تتخلق سلسلة متعرجة لتكوين الفرد المتطرف ، تتناوله من مرحلة إلى أخرى ، منذ نعومة حماسه وتلقائيته ، حتى يشتد عود تطرفه وينفجر من شدة اليأس وقد فقد مفتاح فرج يلمع في أفقه المحدود ووعيه المسدود .
قصة من المأساة تشترك فيها أسباب متضافرة ، لن يصدق أحد في مواجهتها قبل أن تأتي على كل شيء ، ويكتوي بنارها القاصي والداني ، ثم ننحني للحقيقة الموجعة ونتقاسم مسؤولياتنا لا أن نتقاذفها .
والفرد الداعشي يختلف منطق انضمامه حسب الخلفية الجغرافية لديه ، فالأوروبي يعاني جوعاً هويّاتياً تشبعه رايات داعش وادعاءاتها لنصرة المظلوم وإعادة الوهج لتاريخ الإسلام في العالم ، ويواجه شعوراً بالانتقاص وموقفاً مخاصماً تجاه ازدواجيته وهو يعيش انفصالاً شعورياً في مواجهة تعوّم طبيعته المتمايزة وثقافته المتفردة في محيط مجتمعه الغربي المتلاطم ، وهو لينقذ بصمته الدينية من الإغراق الثقافي المضاد يبحث عن موطئ قدم يغذيه ويعالج قلقه الداخلي .
وذلك العربي القادم من بلاد الوفرة الاقتصادية ليس أكثر من ترف إيديلوجي وتواضع الدور أمام واجبات متخيلة تجاه مظالم أبناء جلدته ودينه التي تحيق به من كل جانب ، وهو أكثرهم استسلاماً للرواية الدينية المتزمتة لأنها المعادل التاريخي لهوان تأثيره السياسي في موطنه الأصلي .
وأخيراً العربي المطحون القادم من دول الفاقة الاقتصادية والخناق السياسي ليجد تحت رايات التطرف ملاذاته للخلاص من ضيق العيش وفتك الحياة .
التطرف في نسخته الأخيرة لا يمكن تفسيره ومعالجته بقطرة حبر أو ضغطة زر ، بل هو في حاجة إلى مناولة عميقة وجادة وصادقة يتكون على إثرها العزم والإرادة لمواجهة مسؤولياتنا دون استقالة أو إمالة .
………………
ماذا جرى وصار على استثماراتك القديمة ؟ بالتأكيد ليست الاقتصادية بل الحياتية ، التي سفكت عليها روح وقتك ، وحازت على جملة اهتمامك وهمّك .
هل بارت البضاعة وانفض الباعة ؟
ماذا فاتك من الخير وأنت تبتني أحلامك المفلسة في أرض رخوة ، لا تحفظ الوفاء ولا تمسك البناء ، هل طارت مثل سرب من أوهام ؟ وغابت على مرمى برهة من سِنة .
ثم ماذا ؟
تعض أصابع الندم على ما فات من الوقت وانقضى من العمر وقد راكمت فيها الفراغ والضياع وقل المكسب ، بكل حال ما زالت فرصة التغيير قائمة ومساحة العمل واسعة ، والعبرة أن تتوقف عن تكرار الخطأ واجترار التقصير ، فإن العثرة درس أو محطة في سير الحياة الراكدة ، والسعيد من اعتبر وفكر ثم قدر أن يستدرك ما فات ويعوض ما بات .
……………
يشتكي بعض الأشخاص أنه لم يكتشف نفسه ، لا يجد ما يستمتع بالعمل عليه أو الطموح إليه ، عاجز عن الحصول على مهاراته الخاصة ومناطق تميزه وتفرده ومحل شغله لمراكمة الإنجاز الشخصي والإبداع في مساحات التأثير الخاصة به والمنسجمة مع استعداده .
وإذا تصفحت حياته ألفيته عاطلاً باطلاً إلا من حد الضرورة لوصفه رجلاً يعيش الكفاف من الطموح والعمل والتأثير ، فكيف سيجد نفسه !
العمل هو وحده القادر على تمكينك من اكتشاف نفسك ، بالعمل تطرق كل أبوابك المضمرة ، تجرب ذاتك في أكثر من موقف ومحل ، تتحسس أرضياتك واستعدادك ، تختبر أفقك أو توسعه ، " تنضج " باختصار شديد .
فيما إذا بقيت مستسلماً بانتظار أن تهطل عليك السماء بدور مؤثر تتعطش إليه ، فإنه أمل الضمآن بسراب القيعة الموهوم ، وأمل إبليس في مستقبله المشؤوم .
العمل ليس هو الوظيفة ، الوظيفة تحصل مقابلها على أجر وهو نتيجة مادية بحتة ، لكن العمل تحصل جزاءه على التقدير وهو الذي يملأ وجدانك بالثقة والرضى ، والعمل هو الدور الذي تتسنمه وتشع من خلاله بالفاعلية والإيجابية والتأثير ولا تعدو معه مجرد شخص أو رقم .
الفراغ قد يزورك وأنت في ذروة انشغالك ، لأن الشغل لا يطرد الفراغ ولا ينفيه ، بل يستدعيه ، لأن المشاعل هروب أو بطالة مقنعة وعطالة مشبعة بوهم الارتباطات غير المجدية .
…………………
يعجبني صديق ناضج وزوجة حصيفة وزميل عاقل على أن أحصل على علاقة مريحة مع أضدادهم من البلهاء والسطحيين وقليلي الحيلة .
فرصة نمو العلاقة في ظل طرف عميق أفضل من غيره ، إذ تمكنك من ارتقاء سلالم وجدانية وغور أعماق نفسانية لم تكن لتنعم بها مع علاقة تربطك بسطحي لا يتجاوز شط الحياة ولا يبلغ أطوارها .
العلاقة مع سطحي ساذج ، قليلة التكاليف ، وعفوية ، لكنها تبطئ بمشاعرك وأفكارك ، ولا تستحث في كوامنك أي استجابة للمعاني البعيدة .
فيما العلاقة مع الناضجين تعمق فيك النبل وتؤبد مشاعر الإنسان السويّ ، وتذوق معها صنوف الحياة الطيبة بأغزر صورها وتجسيداتها .
تستطعم روح الجمال ، ورشاقة اللغة ، وغور المشاعر ، وسحر الأفكار ، وسوى ذلك من مشتركات العلاقة الزاخرة بالأشياء التي تنمو في عهدتكما .
لا تعود أنت بعد الوصال حيث أنت قبله ، شخص آخر تماماً ، تأخذان بعضكما إلى أقصى قدرة لديكما على الركض في مضمار الحياة ، مشفوعة ببصيرة الحب وعرفانية الصداقة الصادقة .
التضحية لا تحمل يوم تكون بين ناضجين بعداً مادياً صرف ، بل تكون عجينة تخلط المصلحة بنفع طرفك الآخر ، بعضك يعطي بعضك الثاني وتكتملان حيث يخبو النقص وينتفي ولا يكون .
…………….
الحياة الافتراضية لا يمكن أن تكون محل اشتغالك الاجتماعي ، ليست جديرة بالثقة لتحفظ أسرارك أو تكوين علاقات كافية لتشعر بالأمان والقبول والرضى ، الحياة الافتراضية تبقى أقرب للسراب ، وسيلة تواصل غير قاطعة ، نقطة تجمع ليس أكثر .
في الحياة تكاليف تنتظرك على حافة التحدي ، وفيها ما يستحق العناء لتستمتع به ، وإذا وجدت عنها مهرباً في العالم الافتراضي فهي خدعة لا تدوم طويلاً قبل أن تنكشف عارية أمام واجبات الحياة الفعلية ، أو تكتشف حجم ورطتك بسفك الكثير من الوقت في غير محله ومظان نفعه .
عندما تفشي سرك ، فأنت في الأساس تحاول أن تتخلص من عبء يثقلك ويرهق كاهلك ، وعندما تكشف عنه تبحث في الواقع عن المقابل ، مثل أن تجد مشابهاً يخفف من وطأة ذنبك أو متملقاً يهون من فداحة موضوعك أو تفسيراً أو حلاً أو على الأقل تعاطفاً ، هذا المقابل لن تحصل عليه عبر العالم الافتراضي .
عملية البوح بأسرارك لا تتوقف عند فتح فمك أو إطلاق ذلك الجاثوم الذي يتململ في جوفك ، ولكنه أشبه ما يكون باستضافة شخص آخر إلى داخلك وأعماقك ، تفتح له مغاليق سرك التي أوصدتها طويلاً قبل أن تتعب من شدة الإغلاق وطول مدته .
الحياة الافتراضية تبقى مجرد عالم مخادع ، لا تعيش في جنباته الحياة اللائقة ، مثل كل الأشياء الصناعية التي يرهقك إدمانها وتكلفك أعراضاً جانبية تأتي على إيجابياتها الجميلة .
يجب أن تتوقف عن تعاطي الحياة عبر الأقنية الافتراضية ، وارجع عن حوبتك واسكن في الحياة الأصيلة ، حيث الألم والندم والمتعة والروعة ، كل بقدر .
………………
من الجيد بين فترة وأخرى أن تتفحص حال علاقاتك وأنماط معارفك ، سيما تلك المقربة جداً واللصيقة بك ، هل تتمتع بصفة " علاقة تشاركية نوعية " أم هي غارقة في " شلال من التفاهات " ؟
العلاقة التشاركية النوعية تعطيك أفضل أنماط التواصل وأعمقها ، تغدق عليك بفضائل العلاقة المتينة على أساس ما تتبادلانه من أنشطة ومشاعر وأفكار .
العلاقة النوعية تمكنك من رؤية الحياة عبر رفيقك ، تطور عواطفك على نحو كبير ، تمنحك معاني جديدة للتو تكتشفها بفضل التواصل الثري ، تفتت مخاوفك وأحزانك لمجرد أن تتذكر شريكك الواعي والنابغ بالحياة .
والتشارك النوعي في العلاقة يفيدها من حيث تماسكها واستمرارها والارتقاء بها فضلاً عن تجذيرها ، وذلك لا يتحقق مطلقاً لمن تحيق التفاهات بعلاقتهما .
فمثلاً مشاهدة فيلم جيد مع شريكك أفضل من استهلاك الوقت في مقاطع الشبكات القصيرة التافهة ، الفيلم يستمر فترة أطول من الصمت وبالتالي الإحساس بالتشارك يتعمق أكثر ، الاستجابة للمشاهد مشتركة إلى حد ما ، فرصة النقاش والاختلاف بنهاية الفيلم مثمرة ومفيدة ، تتحقق عملية تشاركية كاملة وحالة تواصلية فعلية لا تتوفر فيما لو اكتفيت بسيل المقاطع المتهافتة .
ليس من الواجب إقحام شريكك في كل نشاطاتك من نوع المتوسطة والصغيرة ، تلك " النوعية " تحقق الاكتفاء ، وترك مسافات فاصلة تعطي الحرية والقدرة على الحركة بانسياب وتلقائية في المحيط الخاص والمستقل لكل فرد ، وهذا ما يجعل النفوس تتجدد وتنشط للوصال مرة أخرى وكأنها عادت من رحلة استجمام أو اكتشاف جديد للذات لم تتعرف عليه قبل ذلك ، وهذا يمدّ في عمر العلاقة ويوسع في بركتها .
شلال التفاهات يتغلغل في التفاصيل ، ويسد مسامات التنفس اللاإرادي ، ويطبق على حرية الأطراف ، وربما يكتم أنفاس العلاقة حتى الموت والفكاك الأبدي .
………………
أصدقاء الميت مثل رفقاء السوء ، يجتمعون على المصيبة كما يتألفون على الباطل .
بطول حياتك وعرضها تخلو من صديق يعاون ويعين ثم إذا نزل الأجل التف منهم أضعاف ما ظفرت به واقعاً في حياتك ، وتوافد الأباعد والتأمت الطرائد في مشهد تأبينك ويوم رحيلك وكأنهم يزيحونك من حياتهم .
هذا وفاء مخروم ومخادع ، ذلك الذي يأتي عند خسارة الحياة وتصرّم العمر ، لأنه واجب غير مكلف ، ولا يبخس منهم شيئاً في مالهم أو كسبهم ، سوى حضور شرفي ووقفة تطرد عنهم اللوم والعتب على قلة الوفاء وتعاهد الأصدقاء .
لحظة الموت مثل خشبة مسرحية تسلط الضوء على لحظة مكشوفة ، يصبح معها الغياب واضحاً والتقاعس محط اللائمة ، ولكن لحظات العمر بفاقتها وعوزها تبقى مخبوء بفعل التعفف وضعف السؤال فيكون الوفاء فيها مطوياً إلا من ذهن الأوفياء وغائباً إلا من شهود معلني الخلق النبيل والطبع الأصيل .
لا خير في أصدقاء الموت تماماً كرفقاء السوء ، فهم أقرب للخذلان منهم للوفاء ، وأطوى للنفاق والمجاملة منهم لصدق المعاملة ، وتعاهد الأصدقاء في الحياة وعند الموت لا يستطيعه سوى أصحابه .
………………
التفاصيل الصغيرة ضيقة لا تتسع للمتكاثرين ، التزاحم يولد التصادم ، في رحابة الكليات والمشتركات متسع مريح وثري ومنتج ، ولكن التفاصيل تغري الشياطين .
………………
هناك فرق بين " ما تتمناه " وبين " ما تحبه " وأخيراً " ما تحتاج إليه " ، والعمل على هذا التصنيف وفهم أدواره وأدواته يساعد على ضبط سير حياتك واستثمارها والاستمتاع بها ، لأنه يجمع بين الفاعلية التي تتحقق عبر تنشيط إمكاناتك الحقيقية وبين تحقيق المتعة الفائقة والرضى والطمأنينة .
" ما تحبه " هو ذروة الانسجام ، إذ تقوم بما يوافق هواك ويحقق مناك ويلبي حاجاتك ، وذلك مثل أن تعمل في وظيفة تتفق مع رغباتك وإمكاناتك .
وهي مرتبة تحقق أعلى درجات الإنتاجية دون استنزاف ورهق ، وهذا يتأتى عبر الحفر طويلاً في شخصيتك والدأب على مكاشفتها حتى تستقر سفينتك على جوديّ ما تحسن عمله وتبدع فيه ، ثم يكون عليه مستراحك ولقمة عيشك وتحقيق أثرك .
" ما تتمناه " هو صورة نموذجية تعتقد أنها غاية ما يطلبه طموحك ، وسواء انتقل إليك هذا الانطباع نتيجة التأثر والإعجاب ، أو بفعل حكم متسرع على هيئة ما تعتقد أنها تعبر عن صميم رغبتك وتوافق قدراتك ، فالواقع أنها المضمار الخاطئ للعدّاء المستعد ، فلا هو الواصل إلى مشارف النهاية ولا هو المستبقي لطاقته وأنفاسه .
" ما تحتاج إليه " هو حد الضرورة من شروط الحياة ، يتفق فيه الجميع ولا يختلفون ، وهو منظومة من الحاجات الطبيعية التي يتشابه الناس في السعي إليها والظفر بها ، لا تقدم ولا تؤخر إلا ما كان منها البلغة والكفاف .
…………………
وقد يأبى القلم الانقياد لأفكارك والانسكاب على أوراقك ، تجف مثل قفر ، ويذروك العجز والفقر ، ولا يستطيع قلمك أن يسيل قيد أنملة أو يتزحزح لنطق عبارة أو جملة .
الكتابة تحتاج إضاءة حجرتك الداخلية قبل أن تنفتح ينابيع الأفكار وتنقدح شرارة القلم وتسيل العبارات كالأنهار ، إذا أجدب داخلك وأظلم تكوينك ، شلت الأقلام وجفت الأحلام .
وبعيداً عن الكتابة المتزمتة التي تصلح لبحث أكاديمي أو خطاب متبلد أو تقرير يبعث على الرتابة ، فإن الكتابة الواعية الملهمة شيء آخر تماماً ، تحتاج معها إلى " مثير " يحرك السواكن في لحودها ويبعث الكوامن من رقودها .
من ذلك " الحقيقة " التي تكد للوصول إليها ، فإنها تغير الموازين وتقلب المعادلات ، فتحتاج معها إلى الكتابة المكثفة حتى تجربها من جوانبها المتعددة وتغوص في أبعادها اللامتناهية حتى تستقر في جب القناعة والقبول ، وأنت في طريقك إلى ذلك تتفلت الأكاذيب والألاعيب وتنهار عروش الزيف وكأنها تفسح الطريق لمواكب الحقيقة المتهادية إلى النفس والعقل والحياة .
أو " بهجة " تشعل مواقد الفرح لديك ، إنجاز يلهب المشاعر أو شخص يضفي بسحره الأخّاذ على تفاصيلك المملة ، فتنقدح الكلمات وتهرق الأحبار قطراتها شهداً من الأفكار والأنوار وقد اكتست حللاً لاستقبال الضيف وحاشيته من الأنس والوصل والعناق .
إنه حديث الوجدان إلى من استصفاه خلاً يغري بالفرح والاستبشار ، طعم الإنجاز تجد مذاقه شهياً على الكلمات ، تاج الحب يلمع فوق هامة الأفكار وكأنها اغتسلت من جديد .
وأخيراً " موقف عاصف " مثل تجربة من صنع مدرسة حياة ، حزن يحفر عميقاً داخلك وألم يرقص بلامبالاة على أوتار ضعفك وعجزك ، هنا تستنهض بالكتابة بعض قوتك لتتعافى من الكبوة ، وتجد فيها تسلية عن الهم والأسى ، تحتجزها خلف قضبان الكلمات حتى لا ينطلق سراحها ومراحها ويعبث بك .
الكتابة حياة في تضاعيفها كل تفاصيل الأرض وبعض ما استحفظته السماء .
……………
تعميم الثقافة والسلوك أصبح سهلاً عبر وسائل التواصل الجديدة ، المهم هو ابتكار قوالب ترفيهية وغالباً ما ستكون سطحية لتمرير الثقافة أو السلوك أو العادة التي تود إشاعتها ، تماماً كما فعلت الثقافة الغربية التي جاءت محمولة على ظهر السينما وسواها من أقنية الترفيه التي جعلت السلوك الأمريكي ذو طابع عولمي ومعبراً عن ذروة تحضر الإنسان وانتماءه إلى إنسان اليوم .
اليوم أصبح الحال أقل كلفة وأكثر غزارة ، بحيث يزاحم المستطيع أمثاله ، ويبقى العاجز مستسلماً لتدفق الثقافات المنهمرة من كل صوب ، وطبيعته نهباً لتقاليدهم المهاجرة .
حتى على مستوى المدن السعودية التي يملك أبناؤها وفرة المال والإمكانات لخلق محتوى على اليوتيوب والسناب والانستغرام ، ثقافتهم ورسالتهم وسلوكهم وهو منفتح غالباً يتمدد عبر هذه الأقنية إلى أطراف السعودية الغارقة في ريفها أو سلوكها التقليدي - وهو مصطلح للتصنيف وليس للتقليل - .
لا أعرف أي آثار يمكن أن تترتب على هذه العملية من التأثير من طرف واحد ، ولكنها حتماً ستطمر هوية لحساب أخرى ، أو على الأقل ستشكل فجوة في تماسك الثقافة الاجتماعية ، لأنها لا تنمو بشكل متزامن أو متوازن ، ملاحظة الأشياء مهمة لمراقبة مضاعفاتها قبل أن يتسع الخرق على الراقع .
…………………
" العمل " هو وحده يعطيك المعنى ، يبدد شعورك بعدم الجدوى ، يمنحك الإحساس بالقيمة والتأثير ، وأنك جزء من هذا العالم الذي يستيقظ باكراً لهدف وينهض مغموراً بالفعالية ، وأنك لست تفصيلاً صغيراً على هامش لا يؤبه له ، بل جزء من دوامة الحياة التي تتبادل المنافع وتتخادم من أجل العيش المشترك ، تخيل كل هذا ستكون محروماً منه لو كنت بلا عمل ، ولا تنسى العمل ليس هو الشغل دائماً .
فيما " التعلم " هو عملية تحسن مستمر لتواكب سير الحياة المتغيرة ، تكسب عبره حالة من التطور الذي يضمن لك أن تكون دائماً في قلب المعادلة ، يمكّنك من أدوات الحياة الفاعلة المثمرة ، وحالة من التنامي لقدراتك وكفاءتك باتجاه العمق والنضج ، لأنك بالتعلم يوم تكبر تزداد تماسكاً لا هشاشة .
…………….
كلما كنت " نافعاً " كان ذلك مفيداً لصحتك النفسية ومنعكساً على انتعاشك الداخلي وألقك الخارجي ، لا شيء يعزز الثقة ويبني الشخصية المتماسكة مثل العطاء ، سيما ذلك الذي يسد ثغرة ويتبنى حاجة ويسعف موقف ، يصبح الشعور أكثر إيجابية ومتعة عندما تصبح مطلوباً في تخصصك ومقصوداً في باب مهارتك ، وهذا من فضائل التركيز واكتشاف الذات الذي يستجيب لإمكاناتك ويغذي مهاراتك ، حتى تقوم قائمتك فلا تقعد بعدها أبداً .
…………….…
ما تبذله في تطوير نفسك ، وتصرفه من الجهد والطاقة والعمل لتحسين إمكاناتك لن يذهب سدى ، وهو إن كلفك بعض المشقة والخسارة في أول الطريق ، فإنه يكسبك في آخره النجاح ويرزقك ثمراته الواسعة .
كما أنه يختصر لك المسافة ، ويقيك من عثرات الخبرة المتواضعة ، والمغامرات غير المحسوبة ، يوزع الطاقة باعتدال ، ويعطي كل ذي حق حقه ، وهو أفضل الوسائل للوصول الواعي والسليم للأهداف .
لا تتوقف عن طلب العلم وتطوير نفسك ، وسؤال الكمال في كل إمكاناتك ، لا تكتفي بما تملكه وتحيط به من الفنون والمهارات ، ففي ذلك يكون مقتلك وخاتمة محطاتك .
الحياة تتغير بوتيرة سريعة ، وسؤال التطوير هو أفضل استجابة لتحدي التغيير ، ومواكبة واعية تجاه التبدلات والتحولات المتلاحقة ، فالزمها .
………………
الكراهية تجعل منك محدوداً ، بعكس التسامح الذي يفتح أمامك الآفاق ويجعلك متسعاً .
الكراهية تقلص خياراتك ، في التفكير تغلق منافذك الحرة المطلقة ، وتسد ينابيع الافتراضات المفتوحة والقابلة للتبلور .
في السلوك تفيض الكراهية حمماً فلا يعرف منك إلا الشطط والجفاء والمنعة ، في الحياة توصد في وجهك أبواب المتع الفارطة والخيارات الثرية .
فيما التسامح يمطرك بفضائله ويغدق عليك بنوائله ، فلا تحجز نفسك .
………………
القراءة لا تكون إلا تجربة شخصية ، لا تقلد فيها أحداً ولا تقتفي أثره ، قوائم الكتب المفضلة أو التي ينصح بها أو تلك الأكثر مبيعاً ، ما هي إلا تضليل تجاري أو غش ثقافي ، الذين يسألون " ماذا نقرأ " في الواقع هم لم يقتنعوا بفعل القراءة بوصفها طريقاً للتمكين والتأثير ، ويجلسون في مقاعد التقليد وحمى الموضات .
سؤال " ماذا نقرأ " هو تعبير سطحي وانعكاس لاندفاع لا يثمر ولا يسمن من جوع ، لأن هذا يعني أنك ستكون أسير اختيارات الآخرين ، أذواقهم ، توجيهاتهم المؤطرة لتجربتك وخط سيرك ، والواقع أن هذا ينافي أفضل ما تمنحك إياه القراءة ، ممارسة حقك في الاختيار ، تمتعك الكامل والصحي والمعتدل بالحرية ، خوض مغامرتك الذاتية لاختراق العوالم وتكوين موقفك من الأشياء ، والحياة بكليتها .
حتى أولئك المبتدئون سيلقون بعد حين بعصا النصائح المجانية ، لأنها نحتت من خارج مزارعهم الخاصة ، تلك التوجيهات التي اتكأوا عليها في البدايات ستأكلها الأيام ، أطلق جناحيه ، الطريق الذي يرسمه لنفسه وإن تعرج سيضيف إلى الحياة معنى مختلفاً ، طعماً ونكهة آخرين من وحي مغامرته الشخصية .
ابتكر طريقتك ، كون خبرتك ، اكتشف نفسك ، واصنع ذوقك الخاص .
……………………
مراكز الموهبة والإبداع في جامعاتنا السعودية مهمة ومفيدة لو أنها تبنت جهداً علمياً في مسائل الموهبة والتفكير والإبداع إلى جانب دورها التقليدي في تطوير المنتسبين وصقل مواهبهم وتشجيع قدراتهم ، فذلك جهد يمكن أن يقوم به الجميع ، وبالتالي تتحقق ضرورة البحث عن دور علمي ومبادرات زيادة البعد المعرفي والأكاديمي والتقني أكثر .
والواقع أن بعض المدربين عبارة عن واعظ ديني أكثر منه مدرب تقنيات ومهارات ، وربما اندفع إلى خانة الوعظ بلا وعي منه ، أو آثر إفادة الطلاب الشباب بين يديه بوعي ديني ، أكثر من تمكينهم أدوات مهاراتية غير مضمونة النتائج بالنسبة له ، ودور التدين والواجبات التعبدية في زيادة فاعلية الإنسان وإيجابيته ، حقيقي لو فهم على نحو أكثر تقدمية ووعياً .
وعلى كل حال فإن الذي جرب الدورات يكتشف ما يصل إلى درجة التناقض بين المضامين ، والمحك الحقيقي هو وعي الفرد والمتلقي للتعامل مع كمية التناقض والاستفادة من الكليات في تقليص الفجوة وتحقيق استثمار حقيقي للنافع والمفيد من الأقوال المتخالفة أو المتنوعة إن شئت .
…………………
طرائق التفكير بناء على أنماط الشخصية تقليد متبع ومعتمد ، والإدارة الناجحة للنقاش وكومة الأفكار وتباين الآراء هو جودة التعامل مع النفسيات المختلفة بين الرومانسية الحالمة والحادة الجافة والمبدعة الخلاقة ، وذلك أفضل ما ينتج جيد الأفكار وينجي من رديئها .
………………
قد تكون أحياناً مأخوذاً بالشخص أكثر من الفكرة ، ولا تثريب في ذلك ، فإن المرء تتزاحمه مشاعر قلبه وأفكار عقله ، وهو ما دام سالماً من علبة طرف على الآخر وموازناً بينهما فهو على خير عظيم بإذن الله .
…………………
أصبح ضرورة ملحة الآن التغيير على صعيد التربية والثقافة الاجتماعية والتعليم ، حتى نتجاوب بشكل أفضل مع الظروف التي تمر بها البلاد ، إذ يتسع دور المواطن ومسؤولياته بعد أن كانت الدولة ترعى كل مصالحه وحاجاته من واقع ثروتها النفطية المتطاولة ، ولكن الوضع الآن اختلف ، وأصبح الفرد معنياً بتوسيع قدراته لسد الثغرات المترتبة على تراجع الدور الرعوي للدولة نتيجة الظروف الاقتصادية الجديدة .
………………
حضرت مناسبة إثرائية وألقي بالضوء على مفهومين استحوذا على اهتمامي وقررت العمل بهما مستقبلاً ، وهما تقسيم يومك " تقسيماً زمنياً " بحيث تستوعب ضروراتك وكمالياتك خلال يومك القصير لو أحسنت توزيعه ، وآخر " موضوعياً " يراعي كل حاجاتك العاطفية والصحية والعلمية والعملية وذلك ما يضمن الإنجاز في إطار حياة سويّة ومعتدلة .
تالياً .. جربت أن أوظف هذه التقنيات في حياتي ولكنني لم أفلح للوهلة الأولى وآثرت أن أسلم ذلك لتماوج الظروف وسير الأيام ، ولكن لنا عودة يوم تجد الفرصة وتستقيم الإرادة بإذن الله .
………………
كمية ونجاعة ما نملكه من " المفاهيم الإيجابية والتقنيات الفاعلة " للحياة السوية والثرية هو الذي يلعب دور المحور في تصميم يومياتنا وصياغة اتجاه استجابتنا للتحديات .
فمثلما أن " الحياة من صنع أفكارنا " فإن تفاصيلها وقف على " التقنيات الفاعلة " التي نتبناها ونعمل وفق إمكاناتها .
المفاهيم هي المهيمنة ، تطل عبرها على الحياة ، ولكنها لا تباشر التفاصيل الدقيقة التي تضبط سيرنا وسلوكنا الشخصي ، إذ يبقى الأمر موكولاً إلى " التقنيات " .
ولعل فكرة فذّة تستحوذ على أذهاننا ولكنها لا تجد طريقها إلى واقعنا ، أو تتبدد أمام عثرات الطريق فقط لأن التقنيات الوسيطة لا تضاهي قيمة الفكرة ولا تقارب جوهرها .
في سبيل ذلك ، لابد من تطوير تقنياتنا الشخصية وتحصيل الأدوات الواعية والمهارات الفاعلة لتحقيق أفضل تطبيق وبلوغ أقصى إمكان تنطوي عليه أفكارنا الإيجابية .
………………
الأخلاق الرخوة تنهار تحت الضغط ، ذلك لأنه التزام مظهري وليس مخبري ، مدفوعة بالمكسب وليست مشفوعة بالقناعة والإيمان .
الأخلاق الأصيلة هي وحدها المتماسكة عند التحديات ، تزداد طيباً كلما ألهبتها المصاعب ، وربما كانت عاصم صاحبها من الزيغ ، وحصنه من التفلت الذي يذويه ولا يهديه .
أقرب ما تكون الأخلاق للانهزام ، عندما تكتنفها الأيديلوجيا أو تركبها موجات الاستقطاب أو حمولة دينية غير واعية ، وبذا تصبح الأخلاق مشروطة لدى الشخص بحدود مصلحية أو حزبية أو أخروية ، يخلعها عنه لمن هو خارج حقله ، ويصبح متترساً بغضبته وحميته العنصرية .
من الضرورة جعل الأخلاق أساساً ثقافياً ومكوناً اجتماعياً منساباً في طبع الناس وتقاليدهم بوصفها طريقة حياة وليست نماذج للاستدعاء فقط عند الحاجة .
……………
" ترك ما لا يعنيك " يعطيك زيادة في الوقت وسعة في البال ، وهذه من أفضل ما يتمناه ويتحراه الناس ، ثم لا يجدون إليه دليلاً وسبيلاً .
ولعل كثيراً من شعورنا المرهق بالانشغال مجرد خدعة نفسية ، وكذا الضغوط التي تكون في الغالب نتيجة الانفعال غير المبرر والارتباطات المؤذية ذهنياً وغير المجدية عملياً ، ومجرد جولة طفيفة من التحسينات وإعادة ضبط الاشتغالات الشخصية توسع في يوميات الفرد على نحو مريح ومثمر .
إذا اتخذت قراراً بالتخفف من ورطة ما لا يعنيك أو لا يؤثر فيك ، سيتسع يومك بشكل تلقائي ، وكذلك صدرك الذي يضيق بالهموم غير المبررة .
عمرك فرصة واحدة ، والفرصة عبارة عن فكرة يختلف البعد الذي نتناولها به من شخص لآخر ، إذ لعل أحدنا يحشر كل رغباته ونزواته دفعة واحدة بحجة أنها فرصة وحيدة ، وآخر يحاول استثمار الفرصة بالتقليل من الزحام وترشيد استهلاك هذه الفرصة فيما ينفع ويقنع ، الأمر متعلق بالزاوية والبعد الذي نتخذه تجاه الفكرة .
وعلى كل حال ، فإن محاسبة النفس في واحدة من معانيها ، هي التخفف من كومة التدخلات فيما لا يعنيك ، بحيث تحتفظ النفس بهدوئها ، فإن ضيقك بالأشياء لا يساعد على تغييرها ، كما أنه شأن لا يقع في إطار مسؤولياتك غالباً ، انزعاجك الدائم من كل القصور والمثالب التي تحيط بك وربما تعترض طريقك هو مثالية مفرطة لا تستقيم مع واقع أن الحياة ستبقى دائماً قاصرة ، وتغيير العالم فوق أنه صعب ومعقد ، ربما كانت تدخلاتك توسع فجوة ذلك حتى يبلغ الاستحالة .
…………………
الجميع يعرف وربما وقف على حالات من اجتهاد الشباب والفتيات لتوفير ظروف أفضل لالتقاط صورة يبدون فيها أكثر تحضراً ورقياً .
صور لطعام عصري على طاولة ممشوقة وسط غرفة تغص بالإهمال وقلة الترتيب ، صورة لرواية مطبوعة مطرزة بعنوان متكوم ونار الشمعة تلقي بضوئها الهادئ على أطراف الصورة بينما لم تتجاوز قراءتها صفحة الغلاف، وسوى ذلك من حالات التأنق المظهري .
الأسوأ من ذلك والأكثر فجاجة هو محاولة إظهار الامتلاء بالسعادة ، مثل الحفلات الراقصة وسط عتمة لا يبددها إلا شتات ألوان الليزر على جدران غرفة تخلو إلا من عدسة الجوال ، وجبات الفطور التي تخلو من قسيم للقمات الوحدة والانعزال ، وسواها من الحرص المضني على الظهور بخلاف الواقع .
ماذا لو صرف نصف ذلك الجهد والوقت والطاقة على إسعاد النفس ، والانغماس في تفاصيل اللحظة مهما كانت عفويتها وبساطتها ، ألم يعرف واحد منهم أن السعادة والشعور بالامتلاء تنبعث وتبدأ من الداخل ، وأن تأثيث الذهن والصدر بالأفكار المشرقة والمعاني النابضة بالحياة خير من آلاف الصور المخادعة ، وأن وجبة فطور تعدها بنفسك ويلتقط لقماتها جليسك البسيط خير من شركاء افتراضيين ربما بلغ عددهم الآلاف ولكنهم لا يتركون الأثر المعنوي الذي يطبعه جليس حقيقي يبدد هواجس الوحدة ويعزز من قيمة القبول الاجتماعي لدى الفرد .
……………
يبقى " المدافع " دائماً في موقف أوهى من " المهاجم " ولو قويت حجّته وتفوقت عدّته .
……………
الحلم
بوابة العبور للمستقبل ، التخطيط دعائمه ، والعمل عزائمه ، والأمل هو الضوء الذي يلمع
في نهاية الطريق .
…………………
إذا خلت حياتك من التخطيط الجيد
والترتيب المنساب من فكرتك عن دورك وتصورك عن نفسك ، ستصبح تلقائياً مجرد هامش في أجندات
الآخرين ، وضيفاً على جدول يومياتهم .
وفوق
أن هذا يضيع زهرة عمرك ووقتك الثمين ويلحق بك الإرهاق والأذى ، فإنه يورثك إحساساً
بالاستخفاف أمام نفسك وقلة ذات الدور والتأثير في محيطك .
هناك
نوع من الأشخاص يحب أن يكون جزءاً من كل شيء ، يشعر بالارتياح لأنه في انشغال مستمر
، على الأقل هذا يبدد إحساسه بالتفاهة ويعزز من ثقته بنفسه ، الهشّة أساساً.
يكثر
ذلك لدى المتطوعين أو الناشطين الاجتماعيين ، ممن يتبنى كل المبادرات بلا حساب ، يندفع
إليها ، يحاول أن يحشرها في زاوية اهتماماته ، يتنقل بهوس بين مجال وآخر دون ضابط ولا
رابط ، في المحصلة يريد أن يشعر بوجوده دائماً ، حتى لو كان تفصيلاً صغيراً وهامشياً
، المهم أنه موجود ويشبع رغبته في الحضور .
الأفضل
أن تعمل في دائرة تأثيرك ، وتشتغل فيما تحسن أدواته ومهاراته ، ليس انشغالك الدائم
مؤشر حقيقي حتى لو أرضى رغباتك ، كما أن إبهار بعض المجالات والضوء الملقى عليها هو
الآخر ليس محدداً موضوعياً على جودة تلك المجالات أو مناسبتها لإمكاناتك ، وتلك جملة
من المعادلات المهمة ، تحتاج بإزاءها لكثير من تقليب وجهات النظر ، حتى تتفق ونفسك
على ما تحسنه ويليق بك .
في طريق
بناء ترسانتك من المهارات وتوسيع أثرك ، تمدد عمودياً وليس أفقياً ، لا تقبض أطراف
الواقع بين يديك ، ولكن احفر باتجاه عمق الأشياء ، الأشياء التي تقع في حقل مواهبك
.
هوّن
على نفسك ، لا تضيع وقتك وتفرط في طاقتك لأنها محدودة إذا استنزفتها في غير محلها ،
متدفقة إذا استثمرتها ، مع الوقت .. ستصبح مرجعاً جهبذاً في فنك الذي تتقن ومجالك الذي
تحسن .
……………
لو
بذل بعضهم نصف وقته في جلسة عتاب وتصافي مع صديقه ، خير من استنطاق تطبيقات الهواتف
وتحميلها مشاعر اللوم والعتاب بفرض أنها ستبلغ من يقصده .
………….
حيوات
الناس مثل جزر منفصلة ، كل واحد منهم منكبّ على مساحته الضيقة ، مشغول بحيزه الخاص
، ماذا لو اتصلت هذه الجزر ببعضها ، سنصنع كوناً من الحب
…………
بعض
هذا الجيل محظوظ بالفرص التقنية العظيمة التي عاصرها ، فهي تسرع وتسهل كثير مما كان
يشق على النفس ويبطئ به الوقت ، ولكنه محروم أحياناً .
كثير
من أبناء هذا الجيل مثلاً استعاض بأدواته الذكية عن بناء صداقات في محيطه ، الصداقة
تلعب دوراً أصيلاً في تكوين الشخصية والتعرف على الذات .
الصداقة
تقريباً هي بوابتك الأولى للخروج من إطار البيت ، فرصتك الأولى لتكوين جهازك الاجتماعي
الذي يستقبل ويرسل ويترجم حضورك الحقيقي في الواقع
الأدوات
الذكية لا تثري الشخصية بكل الحمولات الواقعية التي يكتسبها الإنسان نتيجة احتكاكه
بالواقع الحي ومباشرة كل تحدياته .
بالخروج
من إطار البيت إلى الواقع متسلحاً بفطرتك وتربيتك ، تتقلص خيالاتك وتصوراتك غير المنطقية
وأنت تختبرها كل مرة على محك المجتمع والمواقف .
كثير
من هذا لا يجده بعض أبناء الجيل وهو حبيس الهواتف والشاشات التي تقدم نسخة مزيفة عن
الحياة ، حياة افتراضية تعجّ بالاستعراضية والاستهلاكية.
…………….
تفسيرك
للأشياء ينتمي إلى حقلك أنت ، وليس إلى الحقيقة بالضرورة ، هو نبت أفكارك ، حدود معرفتك
، ومدى قدراتك ، ولا يتحمل مسؤوليته أحد سواك .
حقلك
المعرفي هو المسؤول عن ما ينتج عنه ، من بينها التفسيرات التي هي محصلة طبيعية للتصورات
الشخصية ، ولذا لا يمكن أن تحاسب أحداً على أساسه .
المحامل
الجيدة التي ينبغي أن تؤطر بها تصرفات الآخرين ، قد لا يسعفك بها الواقع ولكن تفرزها
سعة استيعابك التي تقلل من توقعاتك وتكبح إفراطها .
…………
لا تفكّر
ماذا ينقص هذه اللحظة ؟ فكّر كم هي جميلة وتستحق أن تعيشها بتفاصيلها الدقيقة ، بثغراتها
التي يمكن أن تسدها بغمرة الاستئناس والاستمتاع
……………
ليس
صواباً أن موقفاً ما يبتعلك بسهولة ، فتصبح نهباً لنتائجه ولقمة لآثاره ، التعاطي المعتدل
مع لحظات حياتك ،فرحة كانت أو ترحة ، منجاة وحياة .
……………
تستطيع
حصص #القراءة أن ترتب مزاجك وتنقذه من فوضى الانشغالات ، تخفف من التشويش والضوضاء
الذي يختلط بك نتيجة الاحتكاك اليومي بالمواقف والأشخاص .
#القراءة
رياضة نفسية وسياحة روحية واستشفاء للوعي ، كثيراً ما تسترد هدوء النفس وأنت منكب على
كتاب ما ،وتلتقط أنفاسك التي بددتها مشاوير الحياة .
عند
#القراءة ، تستجمع قوى التركيز في اتجاه واحد ، وتلم أطراف اهتمامك عند نقطة معينة
ونشاط محدد ،وتكفيك أفكار الشتات التي تتناهش هدوءك الشخصي .
……………
بعض
الأفكار تحتاج إلى مستوى من الوعي لفهمها واستيعابها ، وربما تنميتها وتطويرها إذا
وافقت بيئة فكرية خصبة لاستنبات وإثمار الأفكار .
العلاقة
بين الوعي والفكرة جدلية ووثيقة ، سعة الوعي تبحث في عمق الأفكار ، وضيقه يقف بالأفكار
عند مستوى سطحي وتقليدي .
……………
الثبات
على المبادئ فضيلة ،تزيد تسامياً عند التحديات ، والمساومة عليها رذيلة،تزيد تهاوياً
عند المغريات ،وأكثر ما يتجلى المرء عند هذه المعادلة .
ولكن
المبادئ ينبغي أن تكون بنت الواقع لا متعالية عليه ، جزءاً من تكوين الإنسان لا عالة
وعبئاً على كاهله ، وهذا ما يعين المرء على الاصطبار .
والثبات
لا يصح أن يكون مقصوداً لذاته ، وإلا أصبح عناداً أجوف ومغامرة غير محسوبة ، إنما الثبات
يكون لحفظ المصالح وحفظ كينونة المرء وبقائه .
………………
إذا
لم تقاوم رتابة الحياة ، بمشروع شخصي يتقدم بك خطوات تسبق آلات تحيط بك وتحاول التهامك
، فإنك ستهضم ضمن دوامة الآخرين وفي غثّ الحياة وعبثها
برنامجك
الشخصي فرصتك للاستقلال ،أهدافك سلّم الصعود ، طموحاتك هي الأفق الذي تسافر فيه متنزهاً
مما يطبعه الأغيار فيك ،وعند سفح النجاح تجد نفسك
بخلاف
ذلك لن تراوح مكانك ، ساكناً إلا من حفيف المارين بجانبك ، وفي أسوأ الأحوال مأخوذاً
بمشروع غيرك ، تفصيل من استعمالاته وأدواته ليس أكثر .
برنامجك
حصنك من اختراق الآخرين ، فراغك منه يحولك إلى اسفنجة تمتصّ كل شيء ولا تحتفظ به ،لا
تتراكم لديك خبرة ولا معرفة لأنها تنبت في أرض غريبة
إذا
صادفت إنساناً ، فألفيته على ما كان عهدك به ، فهو أوضح الأدلة وأصح النتائج على فقدان
بوصلته وغياب برنامجه الشخصي وضباب مشروعه الحياتي .
………….…
العزائم
، والرخص
لا
تخرج خيارات الإنسان عادة عنهما ،في كل سعة ، ولكل أفق ،إذا دافعت نفسك إلى العزائم
بلغت المجد ، وإذا استمرأت الترخص هوت بك .
…………
كل
شيء قابل للتعلم ، إذا استبعدت مفردة " فات الوقت " ، الإنسان اليوم بمهاراته
، والفرد متكامل الطاقات أوفر حظاً وقدرة على الوصول والنجاح .
وفي
ظل ضيق الفرص وحدة المنافسة فإن البحث عن موطئ قدم وتأثير مناط بتوسع قدراتك ورفع كفاءتك
للتعامل مع الوظائف والمهام التي تقطع طريقك للتميز.
هذا
لا يتعارض مع قيمة " التخصص " لأن التكامل في تقديم منتج يصدر عن عقلية جامعة
، يعطي أفضل النتائج بدل أن تتنازعه الأفكار وتذبذبه الكفاءات .
………………
التصدّر
فيه مشقة وعناء ، وتكاليفه ليست يسيرة ، للوصول لذة في مكابدة التحديات، الفوز بها
متعة ، لو علمها مستعجلو الشهرة لجالدوا عليها بالسيوف
……………
الأثر
الذي يتركه الإنجاز جميل ، تشعر برحابة الأرض وكأنك وسعت كل الناس ، فيما يضيق الفشل
والإخفاق بك وبكل ذرة على الأرض ، الفاصل هو "التعاطي" .
…………
تراكم
النجاحات والإنجازات ، يعزز صورتك الإيجابية عن نفسك ،يبني الثقة على أساس حقيقي ،
تقوى شوكتك أمام التحديات ، يتحقق الرضى ،فتغمرك السعادة
…………
لست
أنت قبل خمس سنوات مثلاً ، ولن تكون كذلك بعدها ،مسؤوليتك محاولة توجيه ذلك التغير
ليقترب مما تريد أن (تكون عليه)ومخاتلة هامش الخطأ لتقليصه
…………
كانت
جدّة في الأيام الثلاث الماضية ماتعة ، كتلة الهواء البارد الذي أعقب المطر لا توصف
، تحرّضك على مفارقة البيت ، وتجربة زيارة مقهى يقدم خدمة الجلسات الخارجية ، ولرجل
مثلي يدمن زيارة المقاهي ، لا يمكن تفويت هذه الفرصة الثمينة في مدينة الرطوبة السرمدية
.
مثل
كل المرات ، طلبت الكابتشينو ، وحيداً على الطاولة أتأمل الوجوه المارّة ، أنادم الكراسي
الفارغة ، الهواء البارد المريح يداعب كل مسامة تنام على جلدي ، لا جديد سوى الزبائن
وصوت الكاسات وهي تقرع الطاولات ، والأحاديث تتقافز بين جلسة وأخرى ، والنادل يذرع
أطراف المكان .
قليل
من هو منكب على هاتفه ، وهذا أمر مشجع بالنسبة لي ، فيما أنا وحيداً أنقّل عيناي في
كل الزوايا ، حضر شخص مزهوّ وبمعيّته ثلة من الرفاق ، يبدو معروفاً بالنسبة للعاملين
في المقهى ، سريعاً سجلوا طلباته ودأبوا في تجهيزها ، التحق بهم شخص أسود ، وهو وصف
عنصري ولكنني مضطر لاستخدامه ، يرتدي الشماغ والعقال بطريقة غير مريحة .
لاحقاً
بدا آخر المنضمين إلى المجموعة وكأنه سائق ، أو عامل لحساب كبير المجموعة التي صادف
أن اختارت الجلسة الملاصقة ، أو أحدهم .
كانت
المجموعة تتبادل الأحاديث ، فيما كان المنضمّ الأخير يلبي طلباتهم الهامشية ، كأن يضيف
طلباً إلى قائمتهم ، أو يسرع للسيارة لجلب الشاحن المتنقل ، كانت أحاديثهم متورمة بالاستعراض
، وهو صامت ومنكس الرأس ، وكأنه يخشى حتى النظر بطريقة متساوية .
حاولت
إحسان الظن ، ولكن زاوية جلوسه على الطاولة مستفزة ، منزوٍ تماماً وكأنه نتوء ، صامت
لوقت طويل ولا يملك حق المشاركة ، كنت أنظر إليه أحياناً وكأنه يجلس داخل زنزانة .
يبادلني
النظر باستراق ، عينان منكسرتان ، ما يلبث أن يعيدهما إلى الأرض ، ويستسلم لحالة صمت
طويلة لا يقطعها شيء .
الأفكار
في رأسي تدور وتمور بشكل لا يهدأ ، والأحاسيس مختلطة ، يذكرني بصور العاملات المنزليات
، ممن يتعرضن لأضعاف هذا من التعامل غير الإنساني .
في قلبي
لعنت الصدفة التي خدمت بعض الأشخاص ، والحظ الذي أردى آخرين ، تعاطفت معه إلى درجة
النية في دعوته إلى طاولتي ، لكنه مشغول بتلبية الطلبات الهامشية للأكابر ، وهو ليس
مستعداً لغضب أحدهم وخسارة لقمة العيش التي تطفئ جوع أطفاله .
أبشع
ما أجده في الموقف الآن ، هو أن أحدهم لا يريد إفساد زهوه ، والنزول من مستواه للكلام
إليه ، كان مسلوباً من حق الحديث ، كيف يطيق المرء أن يصمت عنوة كل هذا الوقت ، فقط
لأنه ليس منهم .
……………
عندي
رأي لا أجزم بصحته بالضرورة ، وهو أن الموقف من قضية فلسطين لدى السعوديين ، تغير لأسباب
عديدة ، إذا افترضنا أنه تغير ، ولكن يصح القول أنه " تزحزح " .
من بين
الأسباب أن " قومية سعودية " بدأت تبرز ، وتزيح أي ارتباط بقضايا خارجية
لا تكون محلية بالدرجة الأولى .
ولأن
هذا الرأي مجرد خاطر عابر ، فإنني لا أملك تصوراً كاملاً بشأنه ، بمعنى أنه مليء بالثغرات
التي ينفذ منها النقد البناء والآخر المتطفل 😅
كان
الفرد السعودي يتعرض تلقائياً بحكم التعليم والطبيعة الاجتماعية إلى ضخ يشكل وعياً
على أساس أنه مسلم أولاً ثم سعودي ثانياً ، وهو طرح مرتبط بانفراد الفكر الإسلامي لسنوات
بمؤسسات التعليم والتنشئة غير المنهجية ( مراكز صيفية وأندية شبابية وأقنية إعلامية
مختلفة ) .
بقصد
أو بدونه ، فإن السعودي كان متصلاً بقضايا إسلامية مختلفة ، وربما موتوراً أحياناً
، وهذا ما يجعله من جهة صاحب صوت عالي وتأثير في قضايا الأمة ، ولا يطاوله تخوين ولا
تشكيك ، ومن جهة أخرى جاهزاً للتجنيد والتصعيد لخدمة هذه القضايا ، وهو ما اوقعنا في
مشكلات معروفة تقريباً للجميع .
ولأن
السعودية كدولة بدأت تتجذر بتقادم السنوات ، فإن هوية وطنية بدأت تتشكل بصورة أكثر
صلابة وتماسكاً وبما يرقى إلى درجة تكوّن قومية مستقلة ، بيّنة الملامح ، قاطعة الدلالات
.
كما
أن الشأن المحلي أصبح طاغياً بما لا يجعل جراحات العالم الإسلامي ولا همومه جزءاً في
تربية أجيالنا ولا محط اهتمامهم ، ولا يمكن تفويت دور جرعات الترفيه الكبيرة التي يتلقاها
المجتمع في ظل الحياة الوفيرة والرغدة التي يعيشها ، بما يؤجل الاهتمامات الجادة من
خارطته الشخصية ، ويهبط بتتبع الأخبار السياسية والشأن العام درجات أدنى وأقل .
البارحة
كنت أجلس مع شاب يقترب عمره من الثلاثين ربيعاً ، وكان يطل عبر شاشة التلفزيون
" عبد الملك الحوثي " مثلاً ، وهو العدو الرئيسي للمملكة الآن بفعل الحرب
التي تدور رحاها على الحدود ، ولما سألته إن كان يعرفه ، قال جازماً " لا
" .
وللمفارقة
فإن هذا الشاب له اثنان من إخوته يرابطون مع الجيش السعودي على الحدود الجنوبية منذ
ثلاث سنوات ، ولا يكاد يراهم إلا لماماً .
ولا
شك أن هذا ليس مؤشراً عادلاً لقياس توجهات الشعب ، لكنه نموذج للنوع الذي أقول عنه
، إذ لا يتعرض شبابنا ولا أجيالنا إلى تغذية واضحة يعرف حيالها " ساسه من راسه
" ، وهو وإن كانت الصحوة قد انسحبت من الميدان بوصفها مكوناً تعبوياً للمجتمع
المحلي ، لها شرورها وطيباتها ، فإن أحداً لم يقدم البديل ، سوى مبادرات ارتجالية تشغل
الفراغ لكنها لا تملؤه .
هل نحتاج
إلى استراتيجية وطنية ضخمة تعمل على صياغة بلادنا اجتماعياً وثقافياً ، لا أعرف ، لكن
ربما ، استراتيجية تجعل المجتمع بكل فئاته الرسمية والقاعدية يسير مترابطاً نحو ما
يصبو إليه ، ولا يغرق في تيه الاجتهادات المبعثرة ، ترتب لدى الجميع أولوياته ، وتعيد
إليه انسجامه ، بعيداً عن شرور الأيديلوجيا التي كانت تقبض علينا لفترة طويلة ، وبعيداً
عن التيه الذي قد نصل إليه يوماً .
……………
الرضى
أول مراتب السعادة ، والأمل حافزها ، وبينهما العمل لتحسين ظروف الواقع ونشدان حياة
أفضل.
السعادة
قرار ، وهذا يتطلب السعي في سبيل تحقيقها ،وخيار .. بين أن تستسلم لإحباطك أو تنهض
لمقاومته.
ليس
هناك نهاية يمكن أن تصل إليها وتنتهي فيها مكابدتك ، الحياة دأب مستمر حتى تتوقف أنفاسك.
…………
#رمضان ورشة عمل لصناعة روح جديدة ، لترقية النفس إلى
حيث يليق بها .
وحالة
سلام ينعم فيها القلب والذهن ببعض الهدوء والصفاء والتسامي ، يزيح عن كاهله غشاوات
اللهث والركض في مضامير الحياة المزحومة بالانشغالات .
تدريب
وترويض للجوارح والمشاعر على طلب الغايات والزهد في الماديات .
يصلح
#رمضان أن يكون بداية شيء ما ، لحظة للتغيير ، بعد أن يعكف الإنسان على ذاته ، ينكفئ
ويسألها حاجتها وأخص مراداتها
يصلح
فرصة لالتقاط الأنفاس وإعادة ترتيب الأوراق وضبط ميزان الأشياء ، لإصلاح القناديل من
الداخل ، تلميع قنينات الروح والنفس ، ومسح ما علق بها من غبار الركض طيلة العام
يعطيك
#رمضان القدرة على الانتباه إلى ما كنت تغفل عنه أو لا
تشعر بوجوده ،إمكانية ترميم المحيط الذي يغلف سيرك في الحياة ،المجتمعات الصغيرة التي
ترعى يومياتك وتقاسمك إياها
فرصة
لمواءمة حياتك ، وتخلية النفس والخاطر من شوائب ما يعلق بها نتيجة الالتحامات اليومية
بالناس والأهل والأصدقاء
أفضل
ما يعطيك #رمضان القدرة على ضبط نفسك التي تستعصي بفعل ما جبلت عليه من الخمول وبرود
الهمة والميل إلى الراحة .
يساعدك
على تجريب ما تستصعبه بفضل مشاركة الناس ، يخلق #رمضان مناخاً مختلفاً تتعاضد فيه
النفوس على مكابدة التحديات ، يتحقق هذا المعنى كلما بدأ من الداخل وتجاوز الشكليات.
في
#رمضان تستمطر المعاني ، وهي أفضل ما يفوز به الإنسان من تجاريب الأيام ، إذ بها
تعيد تقييم المفاهيم التي نشأت عليها وتعيش بها .
وإذ
تستمد عاداتك - التي هي قوام حياتك ولبنات عمرك - جوهرها من تلك المعاني القصوى لدورك
وهدفك من الحياة ، تقترب من الرضى والنجاح وتحقيق الذات .
يعلمك
#رمضان أن تصرف همّك وجماع طاقتك في سبيل الأهداف السامية ،وتتوقف عن استنزافها في
المعارك الهامشية التي تحيد بمعنى الإنسان المستخلف في الأرض.
ولأن
ثلاثين يوماً جديرة بصناعة عادات جديدة ، وتكون مفتتحاً لحياة مختلفة وقد أكسبك
#رمضان القدرة على التغيير ووطّن لديك مفاتيح الخير .
……………
بما
أن أيام #العيد فرصة نادرة للقاء الأباعد ،وموعد سنوي يجتمع فيه ما لا يجتمع في غيره
،فإن أفضل مهارة اجتماعية فيه ،هي الزهد في تتبع تفاصيل الناس والسؤال عن خصوصياتهم
،اجعل حديثك خفيفاً شفيفاً وعن العموميات،مغموراً بالاستئناس وخفة الظل،فإنه موعد للفرح
لا تقليب المواجع ونكأ الجراح
………………
المغريات
أقوى من التحديات ، الأولى تأتي في ثوب الصديق ، وتذيب قدرتك على المقاومة دون حلمك
أو هدفك ، تتسرب إليك بدون انتباه ، فتقضي على استعدادك وأهليتك للنجاح ، تبطل مفعول
إرادتك ، وتقضي عليك من حيث تؤكل الكتف .
لكن
التحديات تجهرك بحقيقتها ، وربما استفزت لديك حساسية الذات تجاه كل عدوان يخصم من حقها
في النجاح والإنجاز ، تشحذ أدواتك للمقاومة ومصاولة كل من ينهرك عن الدأب في طريق الوصول
.
…………………
ما قيمة
الصداقة إذا نزعت منها العفوية ، قوة الصداقة في رفع التكلف ، وانتزاع الأقنعة الاي
نضطر لارتدائها عند الخروج ، إنك يوم تلقى صديقك وترفع عن كاهلك تلك الأقنعة المثلة
بالمجاملات والملاطفات الضرورية لتمضية الوقت ، وكأنك تتنفس بعد أن غمرك ماء يومك الغاصّ
باللقاءات المتكلفة .
أفضل
الأصدقاء هو الذي تكون معه على سجيتك ، لا تضطر عند لقائه ومجالسته للتعامل حسب بروتوكولات
معينة ، أو معقدة ، لا تعود معها المحالسة مريحة وسلسلة ، يثوب إليها القلب عند تزاحم
الضغوط وتراكم الانشغالات .
هذا
لا يعني بالضرورة أن تخلع عنك الأدب ، وتذيب كل حدود اللباقة ، لكن أن تكون طبيعياً
، عفوياً تماماً بدون ورطة الأقنعة غير المريحة .
……………
الشغف
إذا لم يكن دافعاً للعمل ، ومبدداً لمتاعب الطريق ، فإنه بلا معنى ، وليس أكثر من شحنة
مهدرة ، وطاقة بدون جدوى
الدورات
التي تعطي تقديراً مبالغاً عن الشغف في الإنجاز ، لن تخرج منها إلا بأعباء نفسية وجهل
منطقي
العمل
هو المحك ، والتعمق في التخصص هو الفارق ، والشغف مجرد دافع ومحفز
……………
بغض
النظر عن الصديق الذي يبتدرك عند المواقف ،الشهم النبيل الذي تتكئ عليه عند الملمات
، سيبقى الأقرب لقلبك صديق الضحكة الذي تستأنس بمجالسته ، العفوي غير المتكلف الذي
تطوي معه انشغالات الدنيا وتجتمع به لغرض أن تنسى ، أو تضحك ،أو تنزوي لبعض الوقت عن
ضوضاء الحياة ووعثاء الارتباطات.
سيبقى
جيران القلب ، وألصق الناس بالنفس هم الذين تؤوي إليهم لتفتيت مخاوفك والتقاط أنفاسك
، هم المحطة التي تثوب إليها من وهن الطريق ، الشجرة الظليلة التي تتفيأ تحتها ، مستراح
القلب ومتنفسه ، جليس الضحكة وأنيسها .
……………
إذا
كنت متورطاً في فوضى ما ، اجتماعية كانت أو عملية ، لا تكن سلبياً وجزءاً منها ،تحرك
قليلاً وافتح ثقباً في سقف الفوضى ،العب دوراً ما وسينضم إليك آخرون يختنقون مثلك ،اصنع
مخرجاً تنفذ منه إلى الفضاء الرحب الذي ينتظرك خارج هذه السحابة السوداء المخيّمة في
الأفق الضيق ،هناك طريقة ما.
………………
يفعل
"الذكاء الاجتماعي" ما لا يستطيع غيره ،المدير الناجح والأب المؤثر والقائد
الفعال يحتاج إلى هذه المهارة العالية في إدارة المشهد الذي يتولاه
وهو
حساسية عالية تجاه الآخرين ،لفهم مرادات وهواجس الأفراد حولك
وكم
اختصرت مسافات ،وتفتت صعاب ،وتحققت نجاحات ،بالقليل من الفطنة الاجتماعية
………………
يزيد
العمر وتنقص مفاجآت الحياة ، إذ تبدو وكأنك تعرفت على أشياء كثيرة ، تفقد بعدها ذهول
البدايات ، تقريباً تكون وقتئذ قد وصلت ميدان العمل الحقيقي لواقعك ، بحيث تكون النتائج
بطيئة والتكاليف شاقة ، ولكنها الحياة عموماً على حقيقتها .
…………
تنضج
أكثر يوم تفقد الحماس للخلافات الجانبية ، لأنك تتوجه وقتئذ بكلّيتك إلى مهامك الملحة
، واجباتك المنتظرة ، وتؤم وجهك وهمّك وطاقتك نحو ما تصبو إليه ، وتتوقف عن بعثرة مجهودك
الشخصي واستنزاف انتباهك إلى تلك المعارك الهامشية التي لا ينالك منها إلا المشقة والفوضى
وذهاب العمر .
…………….
الأمر
متعلق ببذل مجهود ، ثم صقل هذا المجهود وتوجيهه حيث ينفع ، تركيز الجهد يأتي بالعجائب
ويحقق المستحيل ،قطرات الماء تحفر الحجر الصلد بمجرد دأبها في اتجاه واحد ، النجاح
رهين بحجم ما تقدمه من العمل ، ستحقق نتيجة ما ، لأن معادل الجهد المبذول هو الحصول
على ردة فعل مقابلة ، فلا تجزع.
…………….
لا تهزمك
جحافل العتمة التي تحيط بك ، في وجوه الناس ، ظلال المواقف القاتمة ، خيبات آمالك المعلقة
على حبل التأجيل .
انتصر
لدافعك الملحّ لالتقاط أول ومضة مشرقة من ثنايا الغد المنتظر ، ثمة في المستقبل ما
ينتظرك من المكابدات التي ستخرج أفضل ما لديك ، فقط استعد جيداً لساعة الانتصار على
ظلام الصعوبات ، ومع أول فجر النجاح ، ستشرق شمس ابتسامة الرضا من ثغرك وتبتلع متاعبك
الجمّة ، وكأن شيئاً لم يكن .
…………….
أكثر
ما يفسد الكتابة ، تأجيلها ، الكتابة لها لحظتها ، لا أريد قول أنها وحي ، هذا تشبيه
مستهلك ، أو تقريباً عرضة للفهم الخاطئ الذي يفسد المعنى ويورط النية وتخسر معه القصد
، لكن كتابة الخاطرة أو الفكرة أو الشعور الذي يزورك في حينه مفيد أكثر من أي شيء آخر
.
مثلما
أن أفضل الطرق أو أسهلها ، وأصح الخيارات أبسطها ، فإن أفضل ما يكتب هو ما يكون في
حينه ، تشعر وكأنك تقبض على الفكرة كاملة عند التماعها ، وتسطر الخاطرة وافية عند أول
طوافها ، وتجسد الشعور صادقاً عند مروره .
الكتابة
التي تأتي عند لحظة الشعور على علّاتها ، وهنّاتها تبقى أكثر صدقاً ، تحتفظ بحرارة
الاتصال ، وتنتقل من ذهن إلى آخر مثل شرارة متقدة لم تفقد وهجها ، وتقع في قلب المستمع
متوهجة حيّة لم تختمر أكثر مما ينبغي .
هذا
في شأن الكتابة العابرة ، والكلمة الخاطرة ، والشعور الذي يفيض وتحتاج معه إلى تدوين
، وهو لا شأن له بمعالجة المشكلات ولا بحث الظواهر ، بمعنى هذا لا ينطبق بالضرورة على
الكتابة الجادة المنصرفة إلى هموم التخصص والعلوم ، إنما المقصود تلك الكتابة بوصفها
فعلاً بشرياً من شأنه أن يخفف من وطأة المشاعر ويرفع عن كاهل الإنسان متاعبه ، لأن
الكتابة مثل الحكي ، الفضفضة ، شكل من أشكال التعبير الإنساني الذي يمارسه لأنه إنسان
، يحتاج إليه ، أو هو واحد من مهامه الطبيعية التي لا يستطيع أن يعيش بدونها .
بالنسبة
لي ، لا شيء يلمّ شعث نفسي مثل الكتابة ، حتى إذا اشتبكت التكاليف والمواعيد والواجبات
، فإن كتابتها تعيد لي هدوء النفس وتوقف انفراط التفكير وقلق المشاعر ، الكتابة وحدها
تطبب ذلك القلق الذي يتراكم كلما جفوت القلم ، وبالكتابة وحدها أشعر بانتظام النفس
وانسياب التفكير وراحة البال .
ماذا
عن ذلك الذي ترتب الكتابة له المشاعر ، هذا أجمل وأفضل ، حتى وإن لم يكن حقيقياً ،
لكنك تشعر أن الورقة التي تكتب عليها ، تشاطرك بعض متاعب الأيام ، وتحمل عنك وهن الركض
اليومي الذي يعود عليك ببعض الإرهاق والجزع .
أنا
محظوظ لأنني من قليل ينتمي إلى عوالم الكتابة ، وحلمت دائماً أن تكون هي مصدر رزقي
وغاية همي ، وكان لي ذلك بفضل من الله وحده .
………………
أدِر
دفة نفسك ، وجه تركيزك نحو الطاقات الكامنة داخلك ،سيذهلك حجم ما تنطوي عليه من القدرات
، مع كثير من الصقل والتدريب والاستظهار ،ستنجح في الحصول والوصول إلى منتهى ما تجود
به نفسك من الإبداع والإنتاج ، بفضل ما تدّخره من مواهب ،فيما الوقت يتسرب ، ستنضب
تلك الطاقة بدون تعاهد ورعاية
……………
حافظ
على حيوية الأفكار لديك ، بتجريب فرص احتكاك مختلفة ، واخلع عنك رتابة السائد الذي
يتناسل بجنون حولك ، تغذّى من الأفكار ما يتصف بالنضج والعمق والظرافة والواقعية ،
هذا يعطيك مرونة عالية في التعاطي مع تيار واسع من الأفكار المتنوعة ، ويدرّب آلياتك
على انتقاء أكثرها جودة ووجاهة .
……………
التواضع
مفيد وعملي أكثر من الثقة التي قد تكون عمياء أحياناً ،منطقي أكثر ، يساعدك على بناء
خطط العمل بطريقة أنجع وأجدى ،يكشف مناطق ضعفك ، ويمنحك موقفاً موضوعياً تجاه نقاط
القوة لديك ، دون مغالاة قد تكون نتائجها وخيمة ومخيبة ، يجتذب عون الآخرين ، ولا ينفرهم
كما تفعل الثقة الطائشة .
………………
السهولة
وإن كانت مريحة لكنها توهن الإمكانات ، في الصعوبات تحدي ومشقة وصقل للفرد واستظهار
أفضل ما لديه من مقومات العمل والإنجاز .
النجاحات
محفوفة بالمكابدات ، والناجحون عادة اختبروا ظروفاً غير مريحة ، لكنهم ربحوا النهايات
، مقاومتهم منحتهم شخصية أفضل ، أعطتهم ثروة من النتائج غير المتوقعة .
ولذا
فإن الخيارات السهلة ليست دائماً غنيمة .
………………
ابحث
عن دهشة جديدة ، إذا توقف الزمان عن أن يجود بها ، اصنعها إذا لزم ، تفحصها في اهتمامات
مختلفة ، ابتكر طريقتك في التعاطي مع الأشياء ، لتكسر جمود الصورة ، ورتابة الماكينة
الهائلة التي تبلتع طوفان الناس حولك ، للحياة آفاق مذهلة تستحق المغامرة في حال اخترت
طريقة عيش فريدة .
………………
قلّل
من تقحم مناطق الآخرين الخاصة ، اكبح جماح نفسك في التلصص عليهم بشكل مباشر أو غير
مباشر ، هذا يستنزف الكثير من وقتك الثمين وطاقتك التي تستحق أن تستهلكها فيما يليق
بك من المهام والواجبات ، كما أنه يضاعف من جحيم المقارنات الذي يورثك الأذى النفسي
والحسرة والتلوّم ، عليك بنفسك .
…………………
لا تضلوا
الأولويات ، حتى لا يموت بين يديكم الوقت وتذبل الأحلام وتعلن الطاقة الموفورة رحيلها
بلا رجعة ، ابذل خلاصة وقتك وهمتك حيث ينبغي لك ، التشتت فوهة كبيرة من الضياع والتفريط
،وارتباك الأولويات ينزلق بالقيم إلى حيث الإسفاف فلا تقوم لها قائمة بعد ذاك.
رتبوا
سلّم الأهمية وابشروا.
……………
مؤذٍ
اختيار الأدوار التي لا تليق ، اقدر نفسك حقها من التكريم والاهتمام ،لا تبخسها بتفريط
الوقت أو تفويت حظها من معالي الأمور ،الغايات الكبيرة والمرامي البعيدة تنزّه النفس
من حظوظها السطحية ،وتشحذها لتجشّم المراقي الصعبة وإن كلفها بعض الجهد والمشقة ،بهجة
النهايات تذهب بتعب الطريق.
……………
لا
نجاح تامّ ، ثمة هنّات في شكل أخطاء وحالات من القصور والضعف ،وعيك الواقعي يجعل نظرتك
إلى النجاح كعملية مستمرة لمفاوضة الظروف والتقلبات ،يزيد من لياقتك بنفس أطول للتعاطي مع التحديات ،وهذا منتهى النضج.
رأيك
المثالي عن الفوز دائماً وبكل شيء ،سيورطك في المتاعب ويؤهلك لجنون العظمة.
……………
ماذا
يشغل بالك عادة؟
إذا
كنت ممن يحتك بفرص التعليم والتحسين المستمر ،فإنك محظوظ عادة ،لأن خلواتك وساعات الصمت
والوحدة ستكون مصانع إلهام وحقولاً من التفكير والتمعّن والمقاربات الذهنية الثرية.
إذا
كنت خالياً من هذا ،فستكون نهباً للوساوس والأفكار السلبية ،وستستسلم للاقتراحات الشاذة.
………………
ستبقى
دوافعك الداخلية هي الأكثر رسوخاً وحيوية في حثّك إلى العمل ،ومقاومة كل المثبطات العاتية
التي من الطبيعي أن تعترضك.
المحفزات
الخارجية مهمة ،ولكن عمرها الافتراضي قد ينذر بالرحيل قبل أن تنجز مهامك وأحلامك الكبيرة
التي تفوق طاقتها على الاحتمال والبقاء بجوارك دائماً ،وربما خذلتك.
………………
التسامح
ليس سلوكاً سهلاً ، بل هو مغالبة للنفس على حب الذات والانتصار لحظوظها والانتقام لها
ممن انتقصها وحطّ من قدرها .
رياضة
نفسية نبيلة لتوطين واحد من أشرف الخصال.
يتطلب
التسامح بذل جهد كبير ، ومقاومة الكثير من المثبطات ، وبلوغه هو أعظم مكافأة قد ينالها
المرء ليستظل في نعيمها .
….….….……
حرّر
مشاعرك من ورطة المبالغة في التحوطات ، أعلن عن مشاعرك الصادقة بعفوية وأريحية ، تجاوز
متاريس العقل التي قد تمنعك من الاستمتاع بلا طائل ، حياة تكسوها المشاعر الطيبة رغم
الهنّات ، خير من حياة جافة مليئة بالاحترازات والتردد .
……………
أشعر
أن هناك خطأ ما ، يقودني حدسي لذلك ، كل مرة أتفحص هذا الشعور لأتبين صدقه وجديته ،
وما إذا كان تعبيراً مضمراً عن حظوظ شخصية ، لكنني وبرغم مقاومتي الشديدة لهوامشه المصلحية
، يساورني من جديد ، وفي كل مرة يتضاعف ويشتد ، أحاول بذل النصيحة ، لكنني متردد خشية
أن تلاحقني تهمة ما ، نظرة ازدراء ، لكنني أشعر بتلك الدوافع النبيلة التي تراودني
حيال هذا الموقف .
أسائل
نفسي بقسوة : ربما ينطوي ما تراه خطأ على مبررات الصواب ، غير أنك لا تلمّ بها ولا
تعرفها جيداً ، لا تنسى أنك تقف على الطرف الآخر ، ربما شعور أنك خارج هذه الدائرة
يدفعك للثأر ، للانتقام ممن يستبعدك ويلغي حضورك ، هكذا أقسو على نفسي بالتشكيك ، أحاصرها
بالاستفسارات ، أقلّم أظافر ذلك الشعور بمقاريض الاستقصاء والتحقق .
ورغم
كل هذا ، لا يزال شعوري أن خطأً ما يحدث على الضفة المقابلة ، يطلّ مشحوناً بطاقة جديدة
، تجعله أكثر إلحاحاً وانهماراً .
لقد
اخترت عازماً قانعاً الابتعاد ، الانزواء ، الرحيل لبرهة خارج الدائرة التي كنت قطبها
الأوحد ، تركت ذلك خلف ظهري ، ومضيت غير آبه ، يترك الرحيل ندوباً قاسية أحياناً ،
لكنها أقل ضراوة من الوقوف شاهداً ومهدداً بحالة التهافت التي أخذت تبتلعنا بقسوة ،
من بقي هناك غدى هشاً ، مبتلاً بالتفاهة ، سادراً ، يدفع أتاوات الحظوة الرخيصة .
تنحّيت
قليلاً ، وأخذت أراقب المشهد بألم ، لأنني أنظر بوضوح إلى وجود خطأ ما ، وهو يلفّ الواقفين
على هامش الجرف المتداعي ، واجمين تحيط العثرات برقابهم ، يغصّون بالتنازلات ويقضمون
علقم الهزؤ ، ناعقين بالضحك الخادع ، على موائد الخطأ المسرف وغير المشرف .
…………………
عوّد
نفسك على نقل الضوضاء خارج دوائرك الذهنية ،بكتابتها على مذكرة مهام أو دفتر للأفكار
،هذا يساعد على ترتيبها ويساعدك على استعادة أنفاسك.
سيكون
الورق صديقاً وفياً وحقيقياً وهو يشاطرك بعض أعباء التفكير والمهام ،سيكون الأمر خالياً
من المشاعر لكن جديراً بتخفيف وطأة الانشغال والتشتت.
…………………
إذا
قررت مرة أن تتجاوز موقفاً ما ، فإنك تتخذ قراراً نبيلاً في حق نفسك أولاً ثم الآخرين
، سيكون الأمر صعباً وعسيراً أول الأمر ، لكنك بالتأكيد ستنال جائزة العيش بسلام وفي
برد الطمأنينة ، وهذا أفضل بكثير من التقلب على رمضاء الضغينة ولأواء الغلّ .
…………………
لن تجد
مخلوقاً تستجيب له الظروف دائماً ، و تنحني أمامه المصاعب بسلاسة ، كل أحد مبتلى بنوع
من التحديات التي تصدر عن بيئته المختلفة عن الآخرين ، أحياناً تكون السهولة تحدياً
كذلك ، كأن تخفض من رغبة الشخص في طلب معالي الأمور ، أو تثبط من عزيمته لتحقيق شيء
، الرتابة مريحة ولكن محبطة .
….……………
ليس
من أدوار " الهدف " أن يأخذ بيديك إلى ما تحلم به ، بل خدمة وجهتك وجعلها
أكثر تحديداً ، ومن مسؤولياتك حماية هذا الهدف والسعي إليه باجتهاد وكثير من المرونة
التي تتطلبها مفاجآت الطريق وتحدياته غير المتوقعة .
النجاح
هو عملية التفاهم الواعية مع الهدف الذي اخترته ووضعته نصب عينيك .
……………
يساعدك
تحديد " الهدف " في ضبط مسارك ، ربما انتشالك من ضلال المسافات الطويلة التي
تضطرك إليها مكابدات الوصول ، لحظة تقع من وهن الالتحام مع الصعوبات ، يمد إليك الهدف
يده ، ينادي فيك همتك ويشجعك ببهجة النهايات ، ذلك ما يفعله الهدف المشحون بالمنطق
والشغف والرغبة الحقيقية لا المزعومة.
……………
تجارب
الآخرين تكون أحياناً مجرد انطباعات شخصية ، مواقف تجاه أشياء ونتيجة ظروف ما ، ربما
تكون مأزومة أو مبتسرة ، لا يصحّ تناول تلك التجارب وكأنها شهادات مطلقة الحقيقة ،
بل ضوءاً خافتاً يمكن أن يضيف إلى منظومة البصيرة ، تناولها بتروّي وتمعّن ، قابلها
بآخرين ، مايزها واحظى بإطار كامل ومستوعب.
……………
التطوع
دليل على تحضر مجتمع ما ، على حيويته وإيجابيته ، على تحمله المسؤولية تجاه واجبات
وحاجات مختلفة تطلبها نهضة المجتمع نحو غاياته النبيلة وأهدافه الكبيرة ، صحة مجتمع
ما يمكن قياسها وحسابها بناء على شيوع التطوع لديه وقيمة المتطوعين فيه .
……………
التطوع
مكسب مزدوج ، إذ فيه نفع على المستوى الشخصي وللمجتمع عموماً ، وهو من أعمال النفع
المتعدي ، إذ ينمي المتطوع من مهاراته وقدراته ، ويصرف وقته فيما يفيد ، ومن جهة يعطي
المجتمع خلاصة طاقاته وإمكاناته ، لا يكون التطوع إلا نافعاً حيث بُذل وكان .
……………
يكون
الإنسان أحياناً ذكياً لكنه يحدّ من فعالية هذه الموهبة بالانشغالات السطحية ، يحجّم
قدرتها على النمو والتأثير ، لأنه يستنزفها بالاهتمامات الأقل قيمة وجدوى ، يكون ذا
طاقة يمكن أن تأتي بالعجائب ، لكنه يهدرها في غير محلها ويزهقها في الأعمال الشاقة
لكن قليلة المردود ، اللهم حسّن اختياراتنا وألهمنا الرشد والنضج فيها .
……………
الخبرة
هي اتساع إدراكي ، وليست تراكم معرفي ، هي عمق في الكيف وليست زيادة في العدد ، قد
تكون عرفت أشياء كثيرة لكنها غير مترابطة ولا تنتج وعياً يؤهلك لفهم تعقيد المواقف
التي تعترضك ، ولذا فإن الخبرة ليست فقط معلومات ولكنها بالإضافة إليها ، تجارب واعية
وإلمام بوجوه المسائل مع أناة وموضوعية وثقة .
………………
احتفاظك
بالهدوء في وجه الالتحامات اليومية التي تعترضك عمل عسير لكنه جدير بالمكابدة ،لا مناص
من مواجهة المواقف التي تقذف بحممها في وجهك كل مرة ، وعورة الأشياء من حولك تخلق التعقيد
الكبير الذي يكاد يبتعلك.
يصعب
أن تصمم محيطك حسب مشيئتك ، المواجهة حتمية ،وستنال منك الخسائر الجانبية.
………………
هذا
زمن ضد الإشباع ،نتناول الأشياء بسطحية كبيرة ،نلهث لالتقاط كل شيء لحشو حاجاتنا بلا
تمعّن ،العلاقات فاترة ،والمعارف عابرة ،هستيريا الاستهلاك تسيطر على التفاصيل ،ونحن
مستسلمون بلا نيّة للمقاومة ، هذا يضعف من درجة استمتاعنا، مرهقون من مطاردة المتع
الصغيرة التي نحوزها بدون اكتفاء.
………………
"
الانتباه " نعمة ، يذهلني الأشخاص الذين تقع عيونهم على التفاصيل الضامرة، فينعشونها
بكلمة مفعمة ، يلتقطون أجزاء الجمال من محيط البرود الذي يحيق بالناس ، يشبعون حاجة
الآخرين لمن يدفعهم بكلمات حيوية تقاوم رتابة الأيام وتبعث فيها روح التفاؤل والحياة
، ويقللون من انبعاثات الإحباط .
………………
هل عليك
إصلاح العالم؟
مع الوقت
ستكتشف أنك معنيّ بنفسك أولاً ،وأن قدراتك محدودة في التأثير كما كنت تتصور .
لا يعني
هذا الاستسلام ولا امتداح السلبية ،ولكن عندما يورثك الحرص انزعاجاً دائماً ويكلفك
متاعب نفسية ،حينئذ يجب أن تتوقف عن استنزاف طاقتك واهتراء روحك،ولا تبالغ في تقدير
دورك.
………………
بكل
الأحوال ستزول المتاعب ،التي كانت من شدة بأسها تغشى بصيرتك وتجثم على صدرك وأنت تشك
في انفراجة تجلوها ، وتُفتح الأبواب التي بقيت طويلاً متمردة على أن تفتح في وجه الذي
أرهقته تعابيس الانتظار ،ستتنتهي المشاق ، لكن المهم ! هل كانت في سبيل ما يستحق ،
وجدير بأن يكلفك كل تلك الأعباء.
………………
الذين
توقفوا عن فعل شيء ذي قيمة منذ بلغوا عمر العشرينات ،لو قدّر للواحد منهم أن يعيش حتى
الستين أو السبعين ،كيف سيحمل هذا الجسد روحاً متوقفة عن عمل أو بذل شيء مختلف كل هذا
الوقت.
إنه
عمر طويل من الانتظار ،من الاحتباس والموت البطيء ،خلف هذا الجدار حياة ،زاخرة بالمتاعب
لكنها تستحق.
………………
ليس
شيئاً جيداً أن تنتظر ظروفاً صعبة حتى تتبنى صفات مهمة وأخلاق رئيسية لتمضية حياتك
وضمان مصالحك .
لأنك
حينئذ ستكتسبها مكسوراً ، غير قانع ، سيتغير لديك السلوك ، وتبقى ذات الأفكار التي
جعلت منك شخصاً قليل التفاعل ، وسينظر إليك الناس وقتئذ بازدراء شديد ، لأنك تمثّل
دور المضطر .
………………
إنها
الهشاشة ، تلك التي تجعل أحداً منقاداً بلا أدنى مقاومة أو تأبّي ، لفكرة أو شخص أو
سائد مجتمعي يلغي حقه في الاختيار واجتراح القرار.
وربما
بالغ وامتدح أن يكون مستسلماً إلى درجة لا يرتكب في محراب طواعيته نية للانفلات أو
الامتناع.
مع الوقت
يذوي أي عنصر فرادة كان يمتلكه ، يتلاشى.
………………
بداية
عام أو نهاية عام ، مناسبات تذكير بأن الحياة تمضي ، وأن نهر الأيام ينساب ، يضفي عليها
الناس مظاهر احتفال أو مآتم لإضافة بُعد فارق .
لدى
المستسلم لا يتجاوز الأمر إشعارات هاتف مهمل ، متوقف صاحبه عن الاهتمام .
ولدى
المحظوظ ربما يحتاط لمسؤولياته ، وبذل شيء ما للشعور بالحياة .
………………
لا تتعجل
النهايات الكبيرة ، إن الزمن أهم شروط الوصول والحصول عليها ، انتظر ،وذلك لا يعني
التوقف عن بذل شيء سوى مراقبة الساعة وهي تتثاقل في حركتها ، لكن اشتغل على الأجزاء
الصغيرة ،تسلّق المراحل بهدوء ، راكم الواجبات الأولية التي تقودك إلى مرافئ النجاح
،هناك حيث تصل جاهزاً للإنجاز.
………………
التطرف
في ترويج أن " كل شيء ينبع من الداخل " له آثار سلبية أحياناً ، السعادة
والثقة والنجاح لا يمكن أن يأتي كل هذا من الداخل دون أن يعوزه أسباب خارجية أو آخرون
يؤثرون ، ويساعدون ، على الأقل يصفقون لتكتمل الصورة.
تكثيف
الدعاية بأن كل حل أو إنجاز يتحقق بقرار من الداخل وفقط ، مضرّ .
………………
التطرف
في ترويج أن " كل شيء ينبع من الداخل " له آثار سلبية أحياناً ، السعادة
والثقة والنجاح لا يمكن أن يأتي كل هذا من الداخل دون أن يعوزه أسباب خارجية أو آخرون
يؤثرون ، ويساعدون ، على الأقل يصفقون لتكتمل الصورة.
تكثيف
الدعاية بأن كل حل أو إنجاز يتحقق بقرار من الداخل وفقط ، مضرّ .
………………
على
نهر جارٍ من المحبة الصادقة ، يلتئم هذا الجمع الطيب المبارك ، ينهلون من نميره ، ويتضوعون
من عبيره ، سلسبيلاً ينهمر الوفاء من القلوب التي تحيط بحواف هذا المكان ، تقديراً
وتثيمناً لراعي المكان والحفل .
وكأن
ساعة الفرح آذنت ، وليلته انعقدت فوق أديم حلي ، وقد ارتوت بخضاب معتق من التاريخ القديم
، يرفد حاضره ويشحنه بمعاني الفروسية والبطولة والوفاء .
أيّنا
ذلك الذي لا يقتبس من جذوة هذا المساء البهيّ ، جذوة توقد في نفسه شعلة عسجدية لا تنطفئ
، ومسكاً مسجدياً مغسولاً بزمزم الأخوة والنبل .
أيّنا
الذي لا يقطف من هذا الحقل المورد بالأوفياء ، الباذر فيه حباً ، وحاصداً ظلاً وارفاً
ضد صوارف الأيام .
………………
لا يوجد
وقت مناسب لإنجاز أمر ما ، بحيث يفوتك الكثير من الخير بحجة الانتظار.
كل
لحظة تحين تنطوي على ظروف مختلفة ، ربما أكثر صعوبة وأقل مواتاة .
هناك
وقت تكون فيه أكثر استعداداً لتحمل مسؤوليتك تجاه قرار ما.
الأمر
يعود إليك بالمقاوم الأول ، وللظروف ترتيبها الخاص واستجابتها المختلفة.
………………
نوع
جديد من الاستعراض نصادفه في هذه المنصات المثخنة بالسلوكيات غير المفهومة ،حالة الاستعراض
بممارسة الحرية ،يلتقطون صوراً وهم يعاقرون الكؤوس أو يراقصون بعضهم لإظهار أنهم يستمتعون
بمنتهى حرياتهم ،كأنهم يستعرضون بوجبة فاخرة أو سفرة ساحرة ،الحرية معنى نبيل ،والاستعراض
قيد من نوع ما.
………………
الخط
الفاصل بين المنافسة والمقارنة رقيق جداً ، الأولى محفزة لزيادة البذل واستظهار أفضل
ما لدى المرء ، والأخرى مثبطة ومحبطة وتورث هزيمة نفسية لا تقوم بعدها للمرء قائمة.
تذكر
بأن خير الأمور أوسطها ، والمبالغة في المنافسة مرهقة أحياناً ، وقد يجني الإنسان على
نفسه ويكلفها فوق طاقتها.
………………
ثمّة
فرق بين أن تكون مفيداً أو مستنزفاً ، مستمتعاً أو مستغرقاً ، مفعماً أم محترقاً فيما
تعمل وتقوم به يومياً ، تفحص أنك تصرف وقتك وطاقتك فيما تحب ، هذا يجعلك تنمو وتتألق
وتنعش قدراتك، تأكد بأنك تخدم أهدافك ولست ترساً في آلة الآخرين ، دون أن يمنعك هذا
من نفع الناس وإفادتهم .
………………
في كل
مجال أو تخصص ، تحتاج حتى تبرع فيه أن تهضم أدواته وشروط المنافسة فيه ، هذا يطيل نَفَسك
عند التعاطي معه ، ولذلك تقنيات مخصوصة تساعد في رفع لياقتك للتعامل مع ظروف هذا المجال
وتحدياته ، لا تداخل في الواجبات وقليل من التمهّل وكثير من التدريب ،ستحصّل رخصة النجاح
والإنجاز باقتدار.
………………
كلما
عددت مصادر تلقيك ،أضحيت أكثر تنوعاً وجودة في آلية تفكيرك ونزاهة آرائك واستيعابية
أطروحاتك.
افتح
نوافذ مختلفة وأنت تعبّ من هذا الفضاء المنحاز ،لا تتوقف عند حدّ معين ،ولا تطمئن إلى
ما وقر في صدرك وذهنك دون حراك.
نوّع
مواردك حتى لا تنضب أفكارك ، وتجف من شدة التكرار وعِبء النسخ.
………………
فيما
تفيض عليك بحور التفاهة من كل صوب وجانب ، اعتصم بدفئك الداخلي ،ضمير الفطرة الحيّ
بين ضلوعك ، فيه نجاتك من فتك الاستعراض الذي ينفخ في إهاب الأشباح المهلهلة ، أشبع
ثقتك بصميم إيمانك بأفكارك وانفتاحك على تطويرها والاستجابة لطموحاتك ،لا تفتك بك عوارض
الطريق وخوارم الوصول المجاني.
………………
نوع
جديد من الاستعراض نصادفه في هذه المنصات المثخنة بالسلوكيات غير المفهومة ،حالة الاستعراض
بممارسة الحرية ،يلتقطون صوراً وهم يعاقرون الكؤوس أو يراقصون بعضهم لإظهار أنهم يستمتعون
بمنتهى حرياتهم ،كأنهم يستعرضون بوجبة فاخرة أو سفرة ساحرة ،الحرية معنى نبيل ،والاستعراض
قيد من نوع ما.
………………
لم
يتوقف العالم ولا الإنسان عن ارتكاب العنف ،حتى أن بعض المؤرخين يقول أن التاريخ
البشري عبارة عن سلسلة متصلة من العنف ، والفترات التي تشهد سلاماً هي النادرة في
تاريخه
. يفترض بهذا
الزمن الذي تطورت فيه مستويات التحضر أن يقلص من حدة العنف ،لكن الميزان المختل لا
ينذر إلا بالمزيد منه.
………………
"نقد
التراث" عمل متحضر وأداة علمية للنجاة من التصلب الفكري والتخشب المعرفي ،وهو
من مظاهر التجديد المحمود الذي يمدّ كل أمة بأسباب الاستمرار وشروط الفاعلية.
وهو
جهد واعي وهادئ وله أدواته الموضوعية بدون إثارة سطحية،وصف عمل تاريخي بـ
"المتخلف" موقف انفعالي لا يمت إلى آلية النقد بشيء.
………………
تعليقات
إرسال تعليق