يوم الأحد 7 / 11 / 1433 هـ كان يوافق اليوم الوطني السعودي الثاني والثمانين ، منذ عصيرة ذلك اليوم وأنا في الطريق مسافراً إلى عروس البحر الأحمر الذي ما زال فستانها مبللاً من أثر السيول الكارثية التي أغرقتها في ليلة زفافها السرمدي .
مع أذان صلاة العشاء وصلنا هذه المدينة العريقة ، وجبة عشاء دسمة برفقة أبو فراس حتى دقت ساعة الصفر مؤذنة بحلول الحادية عشر موعد التجمع الشبابي للاحتفال بمناسبة اليوم الوطني في شوارع جدة الشهيرة وكورنيشها البهيّ .
الحقيقة أنني توجهت لمجرد رؤية ما شاع عن مثل هذه المناسبات من غرائب وعجائب ، يشبهني في هذا الدافع العشرات من المتجمهرين والمتدفقين ، فضول يصل إلى مستوى تهديد حياة العشرات ممن يقع ضحية حادث مروري أو حريق أو كارثة ما .
في البدء اختناق اعتيادي في الطريق يزيد الرطوبة حدة ، أصوات الغناء صاخبة وهي تنبعث من السيارات التي بدت وكأنها مركبات فضاء مشبعة بالأصباغ والشعارات والأعلام ومجريات الأقلام ، البشر ليسوا على سليقتهم وخلقتهم ، يحاولون استخدام كل فكرة وابتكار لإضفاء الغرابة وشد الانتباه إليهم .
لفت نظري كثرة استخدام الأقنعة التمويهية إلى جانب اختباء الوجه وراء لثام من قماش أو شعار ، لا أعرف لماذا شعرت للمرة الأولى أنهم يخبئون حاجتهم للفرح ، في مجتمع يرى هذا مما يخرم المروءة ويحقر من مكانة الشخص وكأنه معنى ينتمي إلى عالم الطفولة وقلة القيمة والمكانة ، بينما تبقى المهابة والصيانة والتحفظ والانحباس دلالة العقل والرشد حتى انطبع السلوك الجمعي على هذا المنوال .
رجال الأمن وعشرات السيارات الأمنية والباصات النظامية التي تتضور جوعاً لالتهام المشاغبين ، لا أعرف إذا كان دورهم إعاقة الفرح وتفريق الجموع أم تنظيمها ومساعدتها على الاحتفال الوطني وربما مشاركتها ، هذا يقف إلى حد بعيد على مستوى الوعي الشعبي وعلى الشخصية الأمنية للنظام وعلى فعالية العلاقة بينهما في إطار الثقافة والوعي والخبرة .
في دول أوروبا سمعت عن رجل الأمن الذي يلتقط الصور مع الصغار ، سمعت عن مستوى علاقة مشبعة بالثقة والاطمئنان بين الشعب والشرطة ، وفي دول الثورات العربية رأيت الورود في فوهات المدافع وأطواق الفل والياسمين تزين أعناق رجال الشرطة ، هذا لا يحدث في سوريا مثلاً لأن المفاهيم مضطربة كثيراً وكذلك في مصر ما قبل الثورة عندما تحوّل عيد الشرطة في 25 يناير إلى انتفاضة رفض لكل أركان النظام وصاغت شكلاً جديداً للعلاقة بين الشعب والشرطة .
هناك نوع من خنق الفرحة ، وبالأحرى الحرمان من التعبير لذلك تجد البعض يشارك تعبيراً عن امتنان للوطن ، عن اتصال وجداني بهذه الأرض ، البعض يشارك لمجرد الفرجة وأنا على رأسهم ، يريد أن يقف شاهداً مستمتعاً على صنيع صاحب السروال والفانيلة وعلى عشرات الشخصيات الفكاهية والكرتونية التي تبدعها عقلية ثقافية مترفة بدأت تختنق إلى حد إبداعي عميق تنتجه عقلية تظلّم وانتقاد ذاتي لاذع .
سيارة فورد خسرت لونها لصالح صبغة خضراء جافة مكتوب على اليمين منها ( حافز ) وفي المقابل ( ساهر ) ، وهذا تعبير صارخ عن شيء من الامتعاض لقانون موضوعي في بيئة غير موضوعية ، وكثير هي القوانين التي تتراكم في حيز الإصلاحات الشكلية دون مساس بالتركيبة الجوهرية للعلل بتغيير أو حتى اعتراف وتبرير .
خشيت من مظاهر تأنيث المناسبة بعد خسارة القيم الرجولية قيمتها في إشباع حاجة الشباب لإثبات وجودهم وتحقيق ذواتهم ، إذ التأنيث والاستفحال مكونان رئيسان لبعض أعراض الأمراض الاجتماعية ، ولكن قليل ما رأيت شيئاً من هذا سوى الرقص والملابس .
هناك موقف سمعت به ولا أستطيع فهمه !! ما علاقة الاحتفال بيوم الوطن وتكسير المحال وانتهاك حقوقهم وأملاكهم ، لا أعرف ماذا يدور في بعض الذهنيات التي تنحرف إلى هذا الحد من التدمير والإفساد ، حريّ بالمعنيين والمخلصين مراجعة كينونات التربية والتنشئة التي يتلقاها الشاب السعودي ، ما المسؤولية التي تتحملها كل محاضن التنشئة أمام ذلك ( الأسر ، الشارع ، المدرسة ، حلقات التحفيظ ، المجتمع ) .
الفرحة بيوم الوطن تحتاج إلى مزيد من النقاش ، أكاد أجزم أن كثيراً من المحتفلين الشباب لا يعرفون كثيراً عن السبب وراء الاحتفال ولماذا اختير هذا اليوم من بين أيام الدنيا ؟ كثير من الشباب خرج يحتفل لغرض الاحتفال ولا هدف من وراء ذلك وطن أو أرض أو هوية .
صدقت يا عمر .
ردحذفومع تحفّظي لهذا اليوم المسمى (اليوم الوطني ) ..
فقد أصبح للسبب أو آخر اليوم الدموي , لا أعرف لماذا , ولا أزيد على تساؤلاتك التي طرحت في الأعلى ..
ويقول والدي - حفظه الله - " الشباب السعودي مكبوت لدرجة كبيرة , وهذا الذي يخرج في اليوم الوطني ليس إلَّا القليل من الكبت ... "