التخطي إلى المحتوى الرئيسي

«رحلة الوفاء» تقود سعوديين إلى معلّمهم المصري


آخر تحديث: الخميس، ٦ أبريل/ نيسان ٢٠١٧ (٠١:٠٠ - بتوقيت غرينتش)جدة – عمر البدوي 

منذ أن عاد معلّم التربية الفنية محمد شحاتة الخولي قبل 20 عاماً إلى مسقط رأسه في مصر، وهو يتواصل بلا انقطاع مع زملائه في مدرسة السلامة التابعة لإدارة تعليم القنفذة جنوب مكة المكرمة.
قدِم الخولي من الإسماعيلية كمعلّم للتربية الفنية أوائل تسعينات القرن الـ20، وكان حينذاك شاباً يافعاً في بداية العشرينات من عمره، واليوم أصبح رجلاً متقدّماً في السن وقد أبلى المرض جسده.
عندما سافر إليه زملاؤه في الأسبوع الماضي والتقوه، ضمهم إلى صدره وأجهش بالبكاء وكاد يسقط من شدة الفرح وفق ما قال الأستاذ سني جرادي الغبيشي لـ «الحياة».
قطع جرادي الذي كان مدير المدرسة وتجاوز الآن الـ70 من عمره، مسافة طويلة للسفر إلى مصر للقاء الخولي، خصوصاً أنه فتح للخولي منزله قبل 30 عاماً ليقيم حفلة زفافه.
استقبلهم زميلهم المصري بترحاب كبير وكشف عن كنز كبير يحمله لديه، وهو ألبوم صور ضخم يضم بين دفتيه عشرات الصور التي توثق تفاصيل تلك المرحلة.
وتحدّث المعلم المتقاعد بلقاسم عبدالله الغبيشي، وهو أحد المشاركين في «رحلة الوفاء»، إلى «الحياة» عن زميلهم، قائلاً: «كان مشاركاً لأهالي القرية في أفراحهم وأحزانهم، حتى في حرث الأراضي الزراعية وسقايتها، إذ كان يأخذ مسحاته ويذهب مع كبار السن في القرية. وقد حدثت له قصة انتهت بدعوى ضده في المحكمة، لكنها انتهت على خير وصلح بعد تدخّل أبناء القرية، وهو يحفظ لهم هذا الموقف ولا ينساه أبداً».
وزاد: «كان يحب أهل البلدة ويتعاون معهم، وقد مكث زميلاً في المدرسة وجاراً ودوداً في البلدة حتى غادرها عام ١٤١٦هـ (1997م)، ومن يومها لم نتمكّن من الوصول إليه في بداية الأمر لانعدام وسائل الاتصال، وبعدها تم الاتصال ولكن لم تتم مقابلته منذ مغادرته حتى الأسبوع الماضي. وعند مشاهدته لنا وعناقه مع الأستاذ سني أجهش بالبكاء حتى كاد يقع على الأرض، لا سيما أنه تعرّض لجلطة في السنة الماضية ويعاني مع الداء السكري». وأضاف: «يمتعك حديثه وسؤاله عن كبار السن الذين يذكرهم بالأسماء، لقد أحب البلد وأهله، وأحبوه ولا يمكن نسيانه».
حسن الغبيشي الذي كان تلميذاً أيام الخولي وأصبح اليوم معلماً في المدرسة عينها، قال أن أستاذه الخولي «عاش بين الناس في القرية وعاصر مختلف ظروفها. كانت من أجمل الأيام، وقد اندمج في المجتمع كأنه واحد منهم. تعجبك روحه المرحة وضحكاته وابتسامته، وعمله الجاد، يعرفه الصغير والكبير». ويتابع: «كان هناك معلمون أجانب كثر في المرحلة ذاتها، لكنه الوحيد الذي ترك أثراً واحتفظ الناس بذكرياته ومواقفه».
وذكر شايع الغبيشي، وهو موظف في السلك العسكري، وكان أحد تلامذة الخولي، بأنه «رجل محبوب وخلوق، يعشق مهنته، ويكن الحب والوفاء لأهل البلدة، وهم يبادلونه المشاعر ذاتها». وأردف: «سمّى أحد أبنائه باسم أحد رجالات القرية، وكان وقتذاك الوحيد الذي يمتلك آلة تصوير في القرية، ولديه عدد من الألبومات القديمة ويحتفظ بها».

ويرى حسن جابر العمري، أستاذ في المرحلة الثانوية وواحد من تلامذة الخولي، أن «أكثر ما يخلق هذا الوفاء ويصونه هو الروح الواحدة التي كان يتمتّع بها المعلمون، والتي نفتقدها الآن إلى حدٍ ما. لقد كانت وجبة الفطور بالنسبة إليهم تتسم بطابع اجتماعي ويكثر فيه الصنف الشعبي الذي يصنع في البيوت، والرحلات المدرسية ممتعة وتجمع بين النفوس. لقد كانت المدرسة بمثابة الأسرة للتلميذ والمعلم والعكس صحيح».



الرابط :


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

انحسار الشافعية من جنوب السعودية : ماذا خسرت ” القنفذة ” بجفاف طبيعتها الدينية ؟

البندر | عمر البدوي - القنفذة استقر في ذهني أن المذاهب التي تشق طريقها في جسد كل دين هي بمثابة عمليات التسوية بين أوامر الشريعة وحاجات الإنسان ، بين المبادئ والمصالح ، بين الدين والدنيا ، بين الحق والهوى ، بين عزائم الدين وظروف البيئة ، وهذا يعطي الأديان فرصة العيش بانسجام واحترام مع البشرية ، كما أنه يعطيها القدرة على البقاء والصلاح لكل زمان ومكان . إذ تختلف طبائع البشر حسب جذورهم العرقية وظروفهم البيئية وتوافر الشروط المادية ، ولأن الأديان لا تصادم مصالح البشر ، فإن المذاهب تقدم جهداً في سبيل إعادة صياغة المقدس مع الواقع ، وتفسير النص على ضوء المصالح . كما أن الاختلاف وارد في سنن الكون وطبيعة البشر وتركيبة الدنيا ونسيج الحياة ، وهذا ما يفرز مذاهب متعددة تنتمي لها الطوائف عن قناعة ورضا وينبت على هوامشها التعصب لدوافع الانتماء العميق والاحتماء بالكيانات المختلفة التي تمنحهم الشعور بوجودهم وتميزهم وتمنحهم هوية البقاء والحياة . وكل من يصادم الطبيعة المودعة في مكنون الدنيا لأغراض سياسية أو اقتصادية أو حتى دينية متخيلة ، فإنه لابد سيقع في قبضة المغامرة غير المحسوبة وس...

تمجيد صدام حسين المجيد

كان يمكن للقصة الشهيرة التي تداولها عامة العرب عن صورة الرئيس العراقي الراحل صدام حسين مطبوعة في كبد القمر أن تكون مجرد مزحة عابرة تذوب مثل قطعة ثلج أو تتبخر مثل بؤرة ماء، ولكن القصة المختلقة التي شاعت عشية تنفيذ حكم الإعدام في حقه من قبل الحكومة العراقية بعد إسقاط نظامه وتفكيك الدولة العراقية نتيجة حرب خاضها حلف دولي تقوده الولايات المتحدة، تمكنت في أذهان جيل بأكمله وتطورت إلى أشكال متجذرة لترميز الرئيس العراقي المخلوع. أصبح صدام ذا شعبية أكبر لدى قطاعات واسعة من الشباب العربي، فبإمكانك أن تلاحظ حجم الصور التي تنتشر له والأقوال المختلقة في محاولة لاستنطاقه بما يتمناه الشاب العربي من خطاب مشبع بالأنفة والاعتزاز ضد غطرسة الجانب الغربي من العالم أو الطائفة الشقيقة للغالبية السنية في الشرق الأوسط. لا تبدو سيرة صدام حسين مثيرة للإعجاب في التاريخ، فهو مجرد حاكم عربي عسكري يشبه أترابه ممن يقبض على سدة حكم الجمهوريات العربية المرتبكة في تقديم هوية سياسية ونظام حكم متماسك، يضاف إليه بطش أهوج وديكتاتورية مطبوعة بنزقه الشخصي وجنون العظمة الذي أودى بمستقبل العراق وشعبه في جملة من المغا...

«بيت الرشايدة».. «وقف» تحول «أكاديمية» تحتفظ بأسرار جدة

جدة – عمر البدوي   تسجل حارات وأزقة جدة القديمة، التي لا تزال تحتفظ بروحها وعبق تاريخها في الأبنية الشاهقة، وهي تقف في قلب المنطقة التاريخية، شهادة على النواة الأولى التي انبثقت منها واحدة من أهم المدن التجارية في تاريخ المملكة والشرق الأوسط. في حارة الشام، وتحديداً في شارع أبو عنبة، يقف معمار أخضر شامخاً بين أبنية المنطقة، على باب المبنى لوحة نُحتت عليها آية قرآنية، وأرّخت اللوحة في العام 1301 للهجرة. ويُسمى هذا المعمار «بيت الرشايدة»، نسبة إلى بانيه محمد عبدالرشيد، ويتكوّن من أدوار عدة، وأوقفه الرشيد علي العثماني في العام 1333هـ، بيت الرشايدة أو البيت الأخضر من أجمل البيوت التراثية وسط جدة القديمة، ويعود عمره إلى أكثر من 150 سنة. وتعود تسمية البيت إلى قبيلة الرشايدة التي ينتمي إليها بانيه وموقفه، وهي من القبائل المهاجرة من الحجاز وإليه. إلا أن ملكية البيت الآن تعود إلى وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد السعودية. ولأن البيت خلال الستينات الميلادية من القرن الماضي، احتضن نشاطاً أكاديمياً، تحول الآن وبفضل أحد فنّاني جدة إلى «أكاديمية حديثة»، بعدما استأجر...