التخطي إلى المحتوى الرئيسي

كمدريدي متحضّر



يجتمع علاء ووليد وعلي وبقية أصدقائهم في قروب على الواتس آب ، يجمعهم رابط تشجيع الفريق الإسباني الملكي ” ريال مدريد ” يتبادلون أخباره ويتابعون تفاصيل مبارياته وانتقالاته .
في الأيام التي يلعب فيها ريال مدريد على كل مسطح أخضر ، يشتعل القروب بالحماس ، يكشفون عن توقعاتهم ويحصل صاحب التوقع الأقرب للصواب على هدية معينة ، عند الفوز يتبادلون التهاني ويغنون بفرح وينتعشون بالنتيجة ، عند الهزيمة يحاولون البحث عن الأسباب الفنية والنفسية والتكتيكية التي ألحقت الهزيمة بفريقهم المفضل .
واحد من أهم شروط القروب ، الامتناع عن النقاش في الرياضة المحلية ، وهم على الرغم من انتماءاتهم المختلفة في الدوري السعودي ، اشترطوا تجنب استدعاء أي نفس متعصب قادم من رياضة محلية تعاني من احتقان جماهيري غير مسبوق ، ويعود على القروب بالإرباك والحساسية .
في نقاشهم المكثف حول فريقهم الميرنقي ، كأن على رؤوسهم الطير ، لا تنابز ولا ضغينة ، مجرد تداول للأرقام وتعزيز للفكرة بأسبابها الفنية ، يتحدثون بعمق مشفوع بالعلل المنطقية ، يبدو وكأنهم خبراء على طاولة شاشة أوروبية يتداولون المسألة الرياضية .
لا يستحضرون الخصوم التقليديين لريال مدريد إلا لأسباب وجيهة واستدعاء يفرضه منطق الحديث البحت عن مستقبل فريقهم في أي مسابقة كانت ، لا وجود لقوائم الألقاب المستفزة أو إيحاءات ” الطقطقة ” التي يغرق فيها الوسط المحلي دون إلمام كافي بمنطق الرياضة أو إحساس عميق بمتعة الكرة .
يبدو القروب وكأنه أكاديمية تدريب على فنون التشجيع الراقي ، الاتجاه باهتمام المدرج الافتراضي إلى مناطق الاستمتاع بهذه اللعبة الشعبية كما يمارسها مدريدي متحضّر من العالم الأول ، أو كما لو أنه محطة يستريح فيها المشجع السعودي من معركة التعصب التي تعصف بمسابقته المحلية وتؤجل نجاحاته الوطنية .
يقدم القروب وشبابه صورة من التشجيع المتحضر الذي بدأ ينسحب من المدرجات المحلية ، أو بالأصح يختفي وراء صخب التعصب وضوضاء الالتحامات ، وهذا ينطبق على الجماهير وعلى النخب التي انفردت بالظهور على شاشات التلفزة والإعلام الجديد ، وزادت من احتقان المشهد وتغييب الجانب الجميل من رياضة البلد .
الرابط :

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

انحسار الشافعية من جنوب السعودية : ماذا خسرت ” القنفذة ” بجفاف طبيعتها الدينية ؟

البندر | عمر البدوي - القنفذة استقر في ذهني أن المذاهب التي تشق طريقها في جسد كل دين هي بمثابة عمليات التسوية بين أوامر الشريعة وحاجات الإنسان ، بين المبادئ والمصالح ، بين الدين والدنيا ، بين الحق والهوى ، بين عزائم الدين وظروف البيئة ، وهذا يعطي الأديان فرصة العيش بانسجام واحترام مع البشرية ، كما أنه يعطيها القدرة على البقاء والصلاح لكل زمان ومكان . إذ تختلف طبائع البشر حسب جذورهم العرقية وظروفهم البيئية وتوافر الشروط المادية ، ولأن الأديان لا تصادم مصالح البشر ، فإن المذاهب تقدم جهداً في سبيل إعادة صياغة المقدس مع الواقع ، وتفسير النص على ضوء المصالح . كما أن الاختلاف وارد في سنن الكون وطبيعة البشر وتركيبة الدنيا ونسيج الحياة ، وهذا ما يفرز مذاهب متعددة تنتمي لها الطوائف عن قناعة ورضا وينبت على هوامشها التعصب لدوافع الانتماء العميق والاحتماء بالكيانات المختلفة التي تمنحهم الشعور بوجودهم وتميزهم وتمنحهم هوية البقاء والحياة . وكل من يصادم الطبيعة المودعة في مكنون الدنيا لأغراض سياسية أو اقتصادية أو حتى دينية متخيلة ، فإنه لابد سيقع في قبضة المغامرة غير المحسوبة وس...

تمجيد صدام حسين المجيد

كان يمكن للقصة الشهيرة التي تداولها عامة العرب عن صورة الرئيس العراقي الراحل صدام حسين مطبوعة في كبد القمر أن تكون مجرد مزحة عابرة تذوب مثل قطعة ثلج أو تتبخر مثل بؤرة ماء، ولكن القصة المختلقة التي شاعت عشية تنفيذ حكم الإعدام في حقه من قبل الحكومة العراقية بعد إسقاط نظامه وتفكيك الدولة العراقية نتيجة حرب خاضها حلف دولي تقوده الولايات المتحدة، تمكنت في أذهان جيل بأكمله وتطورت إلى أشكال متجذرة لترميز الرئيس العراقي المخلوع. أصبح صدام ذا شعبية أكبر لدى قطاعات واسعة من الشباب العربي، فبإمكانك أن تلاحظ حجم الصور التي تنتشر له والأقوال المختلقة في محاولة لاستنطاقه بما يتمناه الشاب العربي من خطاب مشبع بالأنفة والاعتزاز ضد غطرسة الجانب الغربي من العالم أو الطائفة الشقيقة للغالبية السنية في الشرق الأوسط. لا تبدو سيرة صدام حسين مثيرة للإعجاب في التاريخ، فهو مجرد حاكم عربي عسكري يشبه أترابه ممن يقبض على سدة حكم الجمهوريات العربية المرتبكة في تقديم هوية سياسية ونظام حكم متماسك، يضاف إليه بطش أهوج وديكتاتورية مطبوعة بنزقه الشخصي وجنون العظمة الذي أودى بمستقبل العراق وشعبه في جملة من المغا...

«بيت الرشايدة».. «وقف» تحول «أكاديمية» تحتفظ بأسرار جدة

جدة – عمر البدوي   تسجل حارات وأزقة جدة القديمة، التي لا تزال تحتفظ بروحها وعبق تاريخها في الأبنية الشاهقة، وهي تقف في قلب المنطقة التاريخية، شهادة على النواة الأولى التي انبثقت منها واحدة من أهم المدن التجارية في تاريخ المملكة والشرق الأوسط. في حارة الشام، وتحديداً في شارع أبو عنبة، يقف معمار أخضر شامخاً بين أبنية المنطقة، على باب المبنى لوحة نُحتت عليها آية قرآنية، وأرّخت اللوحة في العام 1301 للهجرة. ويُسمى هذا المعمار «بيت الرشايدة»، نسبة إلى بانيه محمد عبدالرشيد، ويتكوّن من أدوار عدة، وأوقفه الرشيد علي العثماني في العام 1333هـ، بيت الرشايدة أو البيت الأخضر من أجمل البيوت التراثية وسط جدة القديمة، ويعود عمره إلى أكثر من 150 سنة. وتعود تسمية البيت إلى قبيلة الرشايدة التي ينتمي إليها بانيه وموقفه، وهي من القبائل المهاجرة من الحجاز وإليه. إلا أن ملكية البيت الآن تعود إلى وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد السعودية. ولأن البيت خلال الستينات الميلادية من القرن الماضي، احتضن نشاطاً أكاديمياً، تحول الآن وبفضل أحد فنّاني جدة إلى «أكاديمية حديثة»، بعدما استأجر...