التخطي إلى المحتوى الرئيسي

الواقعية تهزم الهلال



لم تمر مباراة نهائي كأس أبطال آسيا مرور الكرام ، لم تمر قبل أن تتموضع في صدر الحراك الاجتماعي المحلي بكل تلوناته ، بوصفها حدثاً يتجاوز مجرد مباراة لكرة القدم إلى صورة أخرى ضبابية ولكنها تستفز التفكير العميق والمراجعة الدقيقة ، تدعونا لتحسس تصوراتنا وتناولنا للمناسبات خارج إطارها الطبيعي والعفوي إلى مساحات من التشابك غير المفهوم أحياناً .
قبل المباراة بكثير كان الهلال يستخدم كل الوسائل التقليدية وغير التقليدية للحصول على الحلم المستغلق على دولاب إنجازاته ، الدعاء والصدقة والمال والإعلام والوطنية والدين واستمطار الحظ والأيدولوجيا كلها يممت وجهها شطر الآسيوية ، حتى الخصومات الشخصية والحسابات المترمدة استيقظت وسط هذا الصخب الهستيري وانخرطت فيه .
سيدني وبكل هدوء ، جاء محملاً بأقل الأسلحة فتكاً ولكنه أكثر عملية من غيره ، جاء متدرعاً بأقل الأدوات ضجيجاً ولكنه أجدى فاعلية ، لعب مباراة الإياب وعلى بعد خطوات من الفوز بطريقة دفاعية بحتة ، سجل أجلى صور الانهزام الشكلاني ، ولكنه قبض على الهدف ، وسيتذكره التاريخ بطلاً لآسيا وسينسى أنه كان خائراً ومتقوقعاً في مرماه .
الهلال وظف كل شيء ونسي الملعب ، أو أنه دفع بطريقة أو أخرى إلى النزول أرض ملعب الشوط الأخير من الحلم  جازماً بالفوز وقاطعاً بالنتيجة ، ولا يتطلب الموضوع أكثر من قذيفة رأس أو رمية قدم لتأتي بالكاس وتقهر بعض الناس ، نزل الفريق مستعجلاً ، ومستفزاً ، ومتوتراً ، لأن الحلم يماطل ، والخصم أقل من المقبول ، والتكتيك مجرد التفاف سخيف على الحقيقة الواضحة بتفوق الهلال واستحقاقه للبطولة .
نفخ " الحظ " روحه في جسد كوفيتش حارس سيدني كأنه ماس من الجان ، وزمجر ساخراً أحياناً في صافرة نيشمورا كجزء من اللعبة أو فصل من حكاية المراهنات المفترضة ، المهم أن الكأس رحل إلى غيرنا .
الرياضة بوابة التدافع الوطني الوحيدة باتجاه التعبير والتأثير ، بقعة الضوء اليتيمة للظهور ، مساحة الفرصة الضيقة لإثبات الذات والوجود ، ولذا تحملت فوق طاقتها من أعباء الدين والوطنية التي حشرت في ثوبها ، بالمحصلة كان مستوى الصدمة مع كل هجمة ضائعة يداني مستوى الألم بخسارة الحلم ، ويعادله حجم ردة الفعل من الخصوم المحليين وفرحهم بتمنع العالمية على الزعيم ، كل هذا حدث لأننا تعاملنا بمثالية مفرطة .




تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

انحسار الشافعية من جنوب السعودية : ماذا خسرت ” القنفذة ” بجفاف طبيعتها الدينية ؟

البندر | عمر البدوي - القنفذة استقر في ذهني أن المذاهب التي تشق طريقها في جسد كل دين هي بمثابة عمليات التسوية بين أوامر الشريعة وحاجات الإنسان ، بين المبادئ والمصالح ، بين الدين والدنيا ، بين الحق والهوى ، بين عزائم الدين وظروف البيئة ، وهذا يعطي الأديان فرصة العيش بانسجام واحترام مع البشرية ، كما أنه يعطيها القدرة على البقاء والصلاح لكل زمان ومكان . إذ تختلف طبائع البشر حسب جذورهم العرقية وظروفهم البيئية وتوافر الشروط المادية ، ولأن الأديان لا تصادم مصالح البشر ، فإن المذاهب تقدم جهداً في سبيل إعادة صياغة المقدس مع الواقع ، وتفسير النص على ضوء المصالح . كما أن الاختلاف وارد في سنن الكون وطبيعة البشر وتركيبة الدنيا ونسيج الحياة ، وهذا ما يفرز مذاهب متعددة تنتمي لها الطوائف عن قناعة ورضا وينبت على هوامشها التعصب لدوافع الانتماء العميق والاحتماء بالكيانات المختلفة التي تمنحهم الشعور بوجودهم وتميزهم وتمنحهم هوية البقاء والحياة . وكل من يصادم الطبيعة المودعة في مكنون الدنيا لأغراض سياسية أو اقتصادية أو حتى دينية متخيلة ، فإنه لابد سيقع في قبضة المغامرة غير المحسوبة وس...

تمجيد صدام حسين المجيد

كان يمكن للقصة الشهيرة التي تداولها عامة العرب عن صورة الرئيس العراقي الراحل صدام حسين مطبوعة في كبد القمر أن تكون مجرد مزحة عابرة تذوب مثل قطعة ثلج أو تتبخر مثل بؤرة ماء، ولكن القصة المختلقة التي شاعت عشية تنفيذ حكم الإعدام في حقه من قبل الحكومة العراقية بعد إسقاط نظامه وتفكيك الدولة العراقية نتيجة حرب خاضها حلف دولي تقوده الولايات المتحدة، تمكنت في أذهان جيل بأكمله وتطورت إلى أشكال متجذرة لترميز الرئيس العراقي المخلوع. أصبح صدام ذا شعبية أكبر لدى قطاعات واسعة من الشباب العربي، فبإمكانك أن تلاحظ حجم الصور التي تنتشر له والأقوال المختلقة في محاولة لاستنطاقه بما يتمناه الشاب العربي من خطاب مشبع بالأنفة والاعتزاز ضد غطرسة الجانب الغربي من العالم أو الطائفة الشقيقة للغالبية السنية في الشرق الأوسط. لا تبدو سيرة صدام حسين مثيرة للإعجاب في التاريخ، فهو مجرد حاكم عربي عسكري يشبه أترابه ممن يقبض على سدة حكم الجمهوريات العربية المرتبكة في تقديم هوية سياسية ونظام حكم متماسك، يضاف إليه بطش أهوج وديكتاتورية مطبوعة بنزقه الشخصي وجنون العظمة الذي أودى بمستقبل العراق وشعبه في جملة من المغا...

«بيت الرشايدة».. «وقف» تحول «أكاديمية» تحتفظ بأسرار جدة

جدة – عمر البدوي   تسجل حارات وأزقة جدة القديمة، التي لا تزال تحتفظ بروحها وعبق تاريخها في الأبنية الشاهقة، وهي تقف في قلب المنطقة التاريخية، شهادة على النواة الأولى التي انبثقت منها واحدة من أهم المدن التجارية في تاريخ المملكة والشرق الأوسط. في حارة الشام، وتحديداً في شارع أبو عنبة، يقف معمار أخضر شامخاً بين أبنية المنطقة، على باب المبنى لوحة نُحتت عليها آية قرآنية، وأرّخت اللوحة في العام 1301 للهجرة. ويُسمى هذا المعمار «بيت الرشايدة»، نسبة إلى بانيه محمد عبدالرشيد، ويتكوّن من أدوار عدة، وأوقفه الرشيد علي العثماني في العام 1333هـ، بيت الرشايدة أو البيت الأخضر من أجمل البيوت التراثية وسط جدة القديمة، ويعود عمره إلى أكثر من 150 سنة. وتعود تسمية البيت إلى قبيلة الرشايدة التي ينتمي إليها بانيه وموقفه، وهي من القبائل المهاجرة من الحجاز وإليه. إلا أن ملكية البيت الآن تعود إلى وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد السعودية. ولأن البيت خلال الستينات الميلادية من القرن الماضي، احتضن نشاطاً أكاديمياً، تحول الآن وبفضل أحد فنّاني جدة إلى «أكاديمية حديثة»، بعدما استأجر...