التخطي إلى المحتوى الرئيسي

تمكين الموهبة



اقتنعت الدول المتقدمة أن الاستثمار في مجال الموهبة سبيل تقدمي مهم ، فحشدت للموهبة مدارس التدريب والتطوير ورسمت لها برامج الرعاية والاهتمام الفائقة في سبيل الحفاظ على ثروة وطنية لا تنضب وتحقيق أعلى درجات الاستفادة منها .
ولكن التحدي الحقيقي الذي تمسكت به الأمم المتحضرة هو إفساح المساحات الحقيقية لتتنفس الموهبة الصعداء ، ومنح الفرص التي تحقق للموهبة درجة كافية من التمكين والحضور الواقعي في مفاصل المجتمع .
الموهبة تشبه السمكة في طريقة العيش ، ولذا لن تعيش الموهبة طويلاً إلا في بحر من الفرص الثرية ، وتبقى الفرص الضيقة والشحيحة بمثابة أحواض السمك التي تتخذ للزينة والاستعراض ليس إلاَّ .
يمكننا الادعاء برعاية الموهبة والاهتمام بها تعليمياً وتدريبياً ، ولكن السؤال الحقيقي الذي تكمن في إجابته الاستثمار الناجع للمستقبل ، هو حجم الفرص الممنوحة لتعيش الموهبة حقها في الانطلاق والبناء والفاعلية على الأرض .
الوطن لا يستغني عن مواهب أبنائه ، وهي لا تتنفس إلا في محيط الأوطان التي ولدت فيها وترعرت تحت سمائها لتنبعث في أجوائها وتشرق في فضائها .
الشباب أحوج ما يكون إلى الفرص المتاحة ، يملك من الإمكانات والمواهب ما يتاخم الأمم المتقدمة ، وبيدهم جعل مستقبل هذه البلاد من أبهج وأنضح ما يكون ، عليهم تعقد آمال الانتقال بالبلاد إلى مصاف العالم الأول  .
كثير من الشباب وقفت الحيلة القليلة ببعضهم في منتصف الطريق دون بلوغ مراداتهم أو تقديم الخدمة الكافية التي يستحقها هذا الوطن  .ليتجشم بعض أصحاب القرار قليلاً من العناء ليكاشف حجم الوعي والإحساس بالمسؤولية الذي يتمتع به الجيل الصاعد من شباب الوطن ، سيجد خطاباً وطنياً خالصاً ينطوي على حب هذه البلاد والولاء لترابها الثمين  .وفي زمن عاصف مثل هذا ، إذ تحيط ببلادنا مخاطر المتربصين والمناوئين سيبقى الضمان الحقيقي هو تمكين الشباب في المناصب القيادية وفتح القنوات الواسعة لاحتوائهم وتشغيلهم على النحو الذي ينهض بالوطن ويوظف إمكاناتهم الثرية  .


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

انحسار الشافعية من جنوب السعودية : ماذا خسرت ” القنفذة ” بجفاف طبيعتها الدينية ؟

البندر | عمر البدوي - القنفذة استقر في ذهني أن المذاهب التي تشق طريقها في جسد كل دين هي بمثابة عمليات التسوية بين أوامر الشريعة وحاجات الإنسان ، بين المبادئ والمصالح ، بين الدين والدنيا ، بين الحق والهوى ، بين عزائم الدين وظروف البيئة ، وهذا يعطي الأديان فرصة العيش بانسجام واحترام مع البشرية ، كما أنه يعطيها القدرة على البقاء والصلاح لكل زمان ومكان . إذ تختلف طبائع البشر حسب جذورهم العرقية وظروفهم البيئية وتوافر الشروط المادية ، ولأن الأديان لا تصادم مصالح البشر ، فإن المذاهب تقدم جهداً في سبيل إعادة صياغة المقدس مع الواقع ، وتفسير النص على ضوء المصالح . كما أن الاختلاف وارد في سنن الكون وطبيعة البشر وتركيبة الدنيا ونسيج الحياة ، وهذا ما يفرز مذاهب متعددة تنتمي لها الطوائف عن قناعة ورضا وينبت على هوامشها التعصب لدوافع الانتماء العميق والاحتماء بالكيانات المختلفة التي تمنحهم الشعور بوجودهم وتميزهم وتمنحهم هوية البقاء والحياة . وكل من يصادم الطبيعة المودعة في مكنون الدنيا لأغراض سياسية أو اقتصادية أو حتى دينية متخيلة ، فإنه لابد سيقع في قبضة المغامرة غير المحسوبة وس...

تمجيد صدام حسين المجيد

كان يمكن للقصة الشهيرة التي تداولها عامة العرب عن صورة الرئيس العراقي الراحل صدام حسين مطبوعة في كبد القمر أن تكون مجرد مزحة عابرة تذوب مثل قطعة ثلج أو تتبخر مثل بؤرة ماء، ولكن القصة المختلقة التي شاعت عشية تنفيذ حكم الإعدام في حقه من قبل الحكومة العراقية بعد إسقاط نظامه وتفكيك الدولة العراقية نتيجة حرب خاضها حلف دولي تقوده الولايات المتحدة، تمكنت في أذهان جيل بأكمله وتطورت إلى أشكال متجذرة لترميز الرئيس العراقي المخلوع. أصبح صدام ذا شعبية أكبر لدى قطاعات واسعة من الشباب العربي، فبإمكانك أن تلاحظ حجم الصور التي تنتشر له والأقوال المختلقة في محاولة لاستنطاقه بما يتمناه الشاب العربي من خطاب مشبع بالأنفة والاعتزاز ضد غطرسة الجانب الغربي من العالم أو الطائفة الشقيقة للغالبية السنية في الشرق الأوسط. لا تبدو سيرة صدام حسين مثيرة للإعجاب في التاريخ، فهو مجرد حاكم عربي عسكري يشبه أترابه ممن يقبض على سدة حكم الجمهوريات العربية المرتبكة في تقديم هوية سياسية ونظام حكم متماسك، يضاف إليه بطش أهوج وديكتاتورية مطبوعة بنزقه الشخصي وجنون العظمة الذي أودى بمستقبل العراق وشعبه في جملة من المغا...

«بيت الرشايدة».. «وقف» تحول «أكاديمية» تحتفظ بأسرار جدة

جدة – عمر البدوي   تسجل حارات وأزقة جدة القديمة، التي لا تزال تحتفظ بروحها وعبق تاريخها في الأبنية الشاهقة، وهي تقف في قلب المنطقة التاريخية، شهادة على النواة الأولى التي انبثقت منها واحدة من أهم المدن التجارية في تاريخ المملكة والشرق الأوسط. في حارة الشام، وتحديداً في شارع أبو عنبة، يقف معمار أخضر شامخاً بين أبنية المنطقة، على باب المبنى لوحة نُحتت عليها آية قرآنية، وأرّخت اللوحة في العام 1301 للهجرة. ويُسمى هذا المعمار «بيت الرشايدة»، نسبة إلى بانيه محمد عبدالرشيد، ويتكوّن من أدوار عدة، وأوقفه الرشيد علي العثماني في العام 1333هـ، بيت الرشايدة أو البيت الأخضر من أجمل البيوت التراثية وسط جدة القديمة، ويعود عمره إلى أكثر من 150 سنة. وتعود تسمية البيت إلى قبيلة الرشايدة التي ينتمي إليها بانيه وموقفه، وهي من القبائل المهاجرة من الحجاز وإليه. إلا أن ملكية البيت الآن تعود إلى وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد السعودية. ولأن البيت خلال الستينات الميلادية من القرن الماضي، احتضن نشاطاً أكاديمياً، تحول الآن وبفضل أحد فنّاني جدة إلى «أكاديمية حديثة»، بعدما استأجر...