التخطي إلى المحتوى الرئيسي

الديرة


أي سحر فيك يذويني ، وأي لحن في حشاياك يستهويني ، إن فيك جاذبية ليست تلك التي اكتشفها نيوتن ولا تخصه في شيء ، وجمال ليس في لوحات بيكاسو ولا سيمفونيات بيتهوفن ولا مقطوعات أندريه ريو ولا أدبيات فيكتور .
إن في ترابك عبقرية ليست من صنيع العقاد ، وأياما لطافاً لم يعشها طه حسين ، وذكريات لم يدونها الطنطاوي ، وجلسات مع القمر لم يحضرها الرافعي ، ومسامرات لم يستمتع بها أنيس منصور .
هل السحر هو تلك الوجوه التي اختبأت في ملامحها قطع الأيام التي تقاسمناها ألماً وفرحاً ، هل السحر تلك الأزقة التي اختزنت آلامنا وآمالنا ، هل هو الخبت الفسيح الذي طالما احتوى مسامراتنا وعتابنا ، أم هو السماء التي التحفت سنوات الطفولة والصبا والشباب ، أم هو كنز الماضي الذي أبى الرحيل وامتنع السفر دون هذا المكان .
هل هو قبر تلك المسكينة التي كانت من الوفاء بمحل حتى ما رضي جسدها أن يزايل قريته الذي نبت من ترابها واستقوى بشمسها وارتوى بمائها واحتمى في كنفها واقتبر أخيراً في لحدها .


أي مساء ذلك الذي ينزل بك ، إذ تطير معه أحاديث التصافي والحب ، وتعقد جلسات السمر والأنس مع خير رفقة في خير بقعة ، وتعبق به رائحة عبير زاكية وكأنها من ريح الجنة ، وما هي إلا عجاج الذكريات وغبار الأيام الخوالي المعجون بالطفولة والصبا .
وأي إشراقة صبح جديد تتجدد به حياتنا بين ثناياك أيتها القرية الحبيبة ، وهل هو إلا التفاتة القدر بوجه بسّام أن الأمل ما زال معقوداً بنواصي أيامكم وموعدكم مع الفرح لم ينتهي بعد ، وإن لقمة الرواء التي تتشاطرها وصحبك كأنها حظك من اللذة الجسدية والروحية في آن .
وإذا ما زارك المطر - وياللمطر - فإنه أذان من السماء للأرض أن افرحي واستبشري بالرضا والرحمة المهداة ، أو وقود النفوس التي ستبدأ عهداً جديداً في مشوار الحياة محفوفة بالتسامح والعفو والصفح الجميل .


وما همّ أحدنا بالسفر لغرض استلزمته الحياة أو نزهة تنشط به النفس ، إلا ادلهمّ به الضيق من كل جانب وزاره الحزن المقيم حتى يحين موعد للعودة .
إنك يا ديرتي جزء من تكويني ، ليس من صورة تختصر حقيقتك ، ولا ريشة ترسم تفاصيلك ، ولا أديب يكتب مقطوعة تكفيك ، إنه يكفي أن تعرفي أنه لا معنى لي بدونك .

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

انحسار الشافعية من جنوب السعودية : ماذا خسرت ” القنفذة ” بجفاف طبيعتها الدينية ؟

البندر | عمر البدوي - القنفذة استقر في ذهني أن المذاهب التي تشق طريقها في جسد كل دين هي بمثابة عمليات التسوية بين أوامر الشريعة وحاجات الإنسان ، بين المبادئ والمصالح ، بين الدين والدنيا ، بين الحق والهوى ، بين عزائم الدين وظروف البيئة ، وهذا يعطي الأديان فرصة العيش بانسجام واحترام مع البشرية ، كما أنه يعطيها القدرة على البقاء والصلاح لكل زمان ومكان . إذ تختلف طبائع البشر حسب جذورهم العرقية وظروفهم البيئية وتوافر الشروط المادية ، ولأن الأديان لا تصادم مصالح البشر ، فإن المذاهب تقدم جهداً في سبيل إعادة صياغة المقدس مع الواقع ، وتفسير النص على ضوء المصالح . كما أن الاختلاف وارد في سنن الكون وطبيعة البشر وتركيبة الدنيا ونسيج الحياة ، وهذا ما يفرز مذاهب متعددة تنتمي لها الطوائف عن قناعة ورضا وينبت على هوامشها التعصب لدوافع الانتماء العميق والاحتماء بالكيانات المختلفة التي تمنحهم الشعور بوجودهم وتميزهم وتمنحهم هوية البقاء والحياة . وكل من يصادم الطبيعة المودعة في مكنون الدنيا لأغراض سياسية أو اقتصادية أو حتى دينية متخيلة ، فإنه لابد سيقع في قبضة المغامرة غير المحسوبة وس...

تمجيد صدام حسين المجيد

كان يمكن للقصة الشهيرة التي تداولها عامة العرب عن صورة الرئيس العراقي الراحل صدام حسين مطبوعة في كبد القمر أن تكون مجرد مزحة عابرة تذوب مثل قطعة ثلج أو تتبخر مثل بؤرة ماء، ولكن القصة المختلقة التي شاعت عشية تنفيذ حكم الإعدام في حقه من قبل الحكومة العراقية بعد إسقاط نظامه وتفكيك الدولة العراقية نتيجة حرب خاضها حلف دولي تقوده الولايات المتحدة، تمكنت في أذهان جيل بأكمله وتطورت إلى أشكال متجذرة لترميز الرئيس العراقي المخلوع. أصبح صدام ذا شعبية أكبر لدى قطاعات واسعة من الشباب العربي، فبإمكانك أن تلاحظ حجم الصور التي تنتشر له والأقوال المختلقة في محاولة لاستنطاقه بما يتمناه الشاب العربي من خطاب مشبع بالأنفة والاعتزاز ضد غطرسة الجانب الغربي من العالم أو الطائفة الشقيقة للغالبية السنية في الشرق الأوسط. لا تبدو سيرة صدام حسين مثيرة للإعجاب في التاريخ، فهو مجرد حاكم عربي عسكري يشبه أترابه ممن يقبض على سدة حكم الجمهوريات العربية المرتبكة في تقديم هوية سياسية ونظام حكم متماسك، يضاف إليه بطش أهوج وديكتاتورية مطبوعة بنزقه الشخصي وجنون العظمة الذي أودى بمستقبل العراق وشعبه في جملة من المغا...

«بيت الرشايدة».. «وقف» تحول «أكاديمية» تحتفظ بأسرار جدة

جدة – عمر البدوي   تسجل حارات وأزقة جدة القديمة، التي لا تزال تحتفظ بروحها وعبق تاريخها في الأبنية الشاهقة، وهي تقف في قلب المنطقة التاريخية، شهادة على النواة الأولى التي انبثقت منها واحدة من أهم المدن التجارية في تاريخ المملكة والشرق الأوسط. في حارة الشام، وتحديداً في شارع أبو عنبة، يقف معمار أخضر شامخاً بين أبنية المنطقة، على باب المبنى لوحة نُحتت عليها آية قرآنية، وأرّخت اللوحة في العام 1301 للهجرة. ويُسمى هذا المعمار «بيت الرشايدة»، نسبة إلى بانيه محمد عبدالرشيد، ويتكوّن من أدوار عدة، وأوقفه الرشيد علي العثماني في العام 1333هـ، بيت الرشايدة أو البيت الأخضر من أجمل البيوت التراثية وسط جدة القديمة، ويعود عمره إلى أكثر من 150 سنة. وتعود تسمية البيت إلى قبيلة الرشايدة التي ينتمي إليها بانيه وموقفه، وهي من القبائل المهاجرة من الحجاز وإليه. إلا أن ملكية البيت الآن تعود إلى وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد السعودية. ولأن البيت خلال الستينات الميلادية من القرن الماضي، احتضن نشاطاً أكاديمياً، تحول الآن وبفضل أحد فنّاني جدة إلى «أكاديمية حديثة»، بعدما استأجر...